صداع طوال اليوم ...وعصبية مزاج ورغبة ملحة لوردة جديدة

ظلت تراقب الشارع من نافتها طوال اليومين حتى لمحت مساء اليوم الثالث سعيد وهو يحمل حقيبته ..

ركضت لمقابلته في درجات السلم ناسية وضع العمارة والناس الذين يتحركون فيها وإخوانها في البيت فما عاد شـئ يهمها سوى أن تريح نفسها كما تظن .

- سعيد ..لماذا سافرت وتركتني ..أريد وردة .

- "سعيد لماذا سافرت وتركتني " ما شاء الله سعيد باسمي المجرد يا فتاة ..!

من أنت حتى لا أتركك ؟!

ثم لقد قلت لك الورد غال ألا تفهمين .

- كم تريد .؟

- خمس مائة ريال .

- ماذا ..كثير هذا ..من أين ؟!

- إن أردت وإلا فغيرك يريد ..

- لا ..لا.. انتظر .

ركضت وأحضرت المبلغ .

كان من مصروف البيت الذي تركه والديها لديها فهي أكبر الأبناء وأرشدهم .

- تفضلي ..ناولها كيسا صغيرا هذه المرة وقال ..احذري أن يراه أحد بيديك ,هذا أفضل من الوردة ...

شرح لها طريقة استعماله بشكل سريع ثم ولى وهو يقول الويل إن عرف أحد بأي شئ .

- حاضر تأكد من ذلك ..

دخلت مسرعة لغرفتها ..

أغلقت الباب وبدأت تشم هذه البودرة كما علّمها ذلك الشيطان .. وتحلم وتطير كما يبدو لها .

صباحا. .

- هيا يا سناء استيقظي ..ألن تذهبي للمدرسة ماذا جرى لك ..استيقظي .

- لا ..لن أذهب ...أنا متعبة قليلا .

- لكن ماذا سيقول أبي وأمي ..تعلمين أنهما لا يحبان الغياب عن المدرسة مطلقا لقد كثر غيابك يا سناء ...

سأخبر أمي إن لم تذهبي الآن ..هيا تحركي ..ما هذا الثقل العجيب في وجهك و جسدك ..لست سناء التي أعرف ..لست هي .

- أوه يا أخي .. أنت ممل جدا ...

قلت لك متعبة يا خالد ..لن أذهب ..ألا تفهم .. لن أذهب فدعني وشأني ..أنا حرة وأكبر منك وأعرف مصلحتي جيدا .

بدأ خالد يلاحظ تغيرات في سلوك أخته لكن لا يدري ما السبب ...

تغيبها وتعبها الذي لا تريد أن تعالجه بداية ذبول في وجهها ..

غريب يا سناء ..

حسنا لم يبق الكثير على رجوع والدي ..سنعرف كل شئ ..

" كنت جميلة يا أختي ..طلتك الساحرة وبسمتك كل صباح تنشر فينا روح الحياة ..تدفعنا بأمل ..كنت لنا قدوة ..فهل ستعودين "

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خرج خالد للمدرسة في صباح يوم جميل له ولإخوته

وبقيت سناء في البيت لوحدها ..

دق الباب فجرت مسرعة .

- أهلا سعيد ..تفضل .

دخل ..وسناء شخص آخر ..

بسرعة عجيبة قبَّلها فلم تمتنع ...ثم ... ..

- اسمعيني يا سناء ..أنت فتاة رائعة ...

هل تريدين أن أعطيك المزيد من هذه البودرة كل يوم و مجانا ..

بل وسأعرفك على أنواع جديدة ستعجبك أكثر .

- يا ليت ..سأكون شاكرة لك فلا نقود لدي لذلك ..

وبصراحة .. هي مريحة جدا ..

- حسنا ..اسمعيني ..وافهمي كل ما سأقوله لك .

عليك أن تعودي للمدرسة وكما كنت الطالبة المجتهدة , سأعطيك بودرة لتلك المعلمة التي تركب السيارة الشبح سأضعها في ورد تهدينه لها .

- نعم ..تقصد أستاذة أمل .

- لا أعرف اسمها لكن هي تلك صاحبة السيارة الفارهة أريدها هي .

وبكلام معسول منه استطاع أن يضحك على عقل هذه الشابة الصغيرة ويخدعها...

- ..أنا أحبك ...سنصير أغنياء أنا وأنت ..سأتزوجك يا سناء...ونبني حياة جميلة ونسافر سنتمتع بحياتنا إذا فقط أطعتني ودون أن يشعر أحد .

- حسنا يا سعيد ..كما تحب لكن لا تمنع عني هذه الراحة ...أرجوك .

أسبوع مرّ.. وكل يوم تحمل فيه سناء وردة بيضاء أو حمراء- بعد أن ترش فيها من البودرة وكما علمها سعيد - لمعلمتها أمل دليل على حبها لها وتتقبلها المعلمة منها بسعة صدر فرحة بهذه الطالبة التي تقدرها حتى أدمنت المعلمة وصارت هي من تطلب الورد وبات يعني لها شئ أكثر من مجرد ورد.

- سناء ..أريد وردة غدا لا تنسي يا عزيزتي .

- نعم ..لكن الورد غال يا معلمة ...لا أقدر ...

- سأدفع لك ما تريدين .

- ألفا ريال ! يا أستاذة ...هذا هو سعرها .

- ماذا!! كثير جدا ... حسنا أدفعها لك غدا .

واستمرت سناء في بيع الورد بــ ألفين ريال لمعلمتها واستمر سعيد يعطيها من البودرة شيئا بسيطا حتى لا تفقد سيطرتها على نفسها ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عاد الوالدان من السفر فلاحظت الأم ضمورا في صحة سناء ..

خافت عليها ..فكلمت خالد الذي أجابها بالاستفهام والغموض الذي طرأ على أخته طوال تلك الفترة .

بحثت الأمر مع والدها ..وقاما بتفتيش دقيق للغرفة لكن لم يعثرا على شئ .

فقد كانت بارعة في تنفيذ خطة الإجرام ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعد شهرين من التعاطي المستمر والتنقل إلى أنواع مختلفة من المخدر والحشيش صارت أمل مدمنة متمكنة وصارت تطلب كميات من المخدر الخام كبيرة جدا وبكل أشكاله ومسمياته المتوفرة لدى سعيد ..

وتفننت في طريقة تحضيره وتقديمه ثم بيعه ..

يرسل لها سعيد كل فترة عن طريق سناء الواسطة بينهما في داخل ألعاب قطنية صغيرة تخبئها سناء في جيبها أو وسط هياكل لكتب حتى لا تلفت الانتباه..

باتت الأموال تنهال على سعيد من هذه المعلمة الثرية والتي صارت تبيع لزميلات لها وبعض أصدقاء العائلة بنفس الطريقة التي اعتادت عليها وتعرفت على المادة عن طريقها .

بعد ستة أشهر صارت أمل تتعامل مع سعيد مباشرة ومن دون واسطة تلتقيه في مكان يحددانه فتستلم منه ما تريد وباتت تتعرف أكثر وبسرعة إلى هذا العالم .

- أمل ..أراك شاحبة هذا الشهر ..هل أنت حامل !

- لا يا أستاذة بدرية .لكن يبدوا أني متعبة ...

تعرفين كثرة المشاكل التي لا تنتهي مع زوجي وتهديده لي بالطلاق كل يوم ..

تعبت من المسئولية وزاد همي بعد وفاة والدي .

لم تقتنع المديرة بما قالت أمل ..فتدني مستوى تدريسها وشحوبها اليومي وحدقتاها المتسعتان بشكل غريب لا يناسب وجه أمل الطفـولي ..كل هذا شد انتباه الأستاذة بدرية .

شكَّت المديرة في وضع أمل أكثر مع وكثرة اعتذراها ووصولها مـتأخرة في الصباح بعكس ما كانت عليه من الجد والتميز .

فصارت تراقب تحركاتها لتكتشف أنها تمتلك بعض الأكياس الصغيرة خلسة وتحتفظ بحقيبتها دائما إلى جوارها .

ازدادت مراقبتها حتى اكتشفت أنها تعطي أيضا من هذه الأكياس لبعض الطالبات والمعلمات ..وتستلم نقودا بطريقة ملفتة وغريبة .

حينها أبلغت الشرطة ورفعت تحفظا لدي المسئولين على سلوك هذه المعلمة .

بعد مراقبة للشرطة وتحري شديد لمدة شهرين ألقي القبض على أمل وهي متلبسة في بيع المخدر عند أحد المحال بعد إعداد كمين لها وهي تبيع من داخل سيارتها الشبح .

- توقف أيها السائق ..

- من فضلك انزلي ..

- ماذا ..لم أفعل شئ .

- قلت انزلي وإلا ..

دُفع الباب بقوة وجروها مع من كانت تبيعه نحو سيارة الشرطة وتم رصد ما بحوزتها من كمية الهيروين المخدر.

أمل باتت متهمة بالترويج الذي صار مهنة تمكنت منها ...وصارت عارا لعائلتها وزوجها الذي طلقها فور معرفته بالخبر .

مع الاستجواب دلت على سعيد الممول الرئيس لها ولكن الشرطة لم تعثر عليه فقد هرب للخارج قبل أسبوعين ...لكنه لن يفلت من البحث عنه بعد أن وُضع اسمه في القائمة السوداء .

أما سناء فقد اكتشفت أمها مع التغييرات التي تحصل لها و بعد كثر صريرها لأسنانها طوال اليوم و حالات البكاء بلا مبرر والعصبية والصداع وأمور كثيرة غريبة جدا .

اتصلت على طبيب العائلة لتسأله عن سر هذه التغيرات ففاجأها ..

اضطرت للتفتيش بشكل دقيق في خزانة سناء .. فوجدت بين ثنايا ملابسها أكياس بها بواقي وآثار لبودرة صفراء اللون ..

- سناء ..ما هذا الشئ ..

- أمي ...إنه سكر بني ..

- ماذا سكر بني ..!

وماذا يفعل السكر البني هنا في خزانتك ..!

- حسنا ..ألم تنتبهي لنفسك وأنت تسرحين شعرك كل ساعة وتغيرين ملابسك وكأنك لست في وعيك ..

- حتى أبدو جميلة يا أمي .

- سناء ...هل تتعاطين المخدر ..!

- لا يا أمي ..افهميني وبدأت تحاول اللف والدوران على والديها ....

وبعد ضغط شديد من والدها الذي تغيرت لهجته معها اعترفت ..

وبكت ثم بدأت تصرخ ..إنه سعيد هو السبب صدقوني ..هو السبب ...

بكت أمها بحرقة لحال ابنتها الذي تدمر ولصحتها المنهكة وعامها الدراسي الذي ضاع هباءا ..

أفلتت من قبضة الشرطة لصغر سنها القانوني ولأنها متعاطية فقط ..بل ضحية .

تم أخذها لمستشفى الأمل وبدأت في العلاج ...

وكانت أمل ضحية خطأ وقعت في شراكه ..وتم تنفيذ الحكم ..

انتهت ..

Comments (4)

On 14 مايو 2011 في 8:13 م , غير معرف يقول...

حسبي الله ونعم الوكيل على سعيد دمر حياه اشخاص مالهم ذنب عن طريق شي رائع (الورد)..

قصه موثره جدا..

ام حامد..

 
On 15 مايو 2011 في 12:50 ص , الأديبة / فاطمة البار يقول...

اهلا بك ام حامد
نعم قد يستعمل البعض الورد لنشر المخدر وقد حدثت قصص مشابهة لقصة وردة الاعدام
انتظريني في القادم

 
On 20 مايو 2011 في 8:33 م , سامر القنطار يقول...

سناء ضحية مجتمع لا يرحم ابداً

قصة حزينة

اشكرك اخت فاطمة البار على هذة القصص مع ان قلبي لا ينقصه هموم وألم

دمتي بخير

 
On 21 مايو 2011 في 12:29 ص , الأديبة / فاطمة البار يقول...

شكرا للمرور