ماهي الثقافة ومن هو المثـقف .. وهل يوجد مقياس للثقافة ؟ .. هل الثقافة جمع رتل من الشهادات ووضعها على جدار ، أو بجمعها في سيرة ذاتية ؟ .. هل الوصول إلي سقف تعليمي معين يعد معيار للثقافة ؟ .. هل ( الكشخة ) باللهجة الخليجية، أو لبس ربطة عنق بهندام رسمي جميل مع نظارة وقلم ماركة من أساسيات الثقافة ؟ .. وهل الأكل فوق طاولة بالشوكة والمعلقة ، وحمل كمبيوتر الـ ( I Pad ) المحمول ، دليل على مظهر الثقافة ؟ .. وهل الفلسفة المعلوماتية زندقة لقناع الثقافة ؟.. وهل جمع المعلومات وقراءة الكتب والروايات الأجنبية ( ثوب للثقافة ) ؟

أحتار الكثير من المفكرين والمفسرين الاجتماعيين والأخلاقيين في وضع مصطلح وتعريف للثقافة ، فعرف في المجاز، إن الثقافة تعني مثاقفة ومعرفة ما يدور حول المرء، كأن يكون الخباز أثقف الناس في خبزه ، والحداد في صنعته ، والدكتور في تطبيبه ، والمزارع في فلاحته.. فقيل في الاصطلاح اللغوي : ثقف فلان الشئ أي لقفه أو التقطه ، ثم وضعه في مكانه الصحيح، أي هي وضع الأمور في نصابها والنقاط على حروفها بغض النظر عن كونه يقرأ ويكتب .

ومنهم من قال إن الثقافة كـومة أو مجموعة من العلوم والفنون والمعارف والعادات والقيم الدينية والسياسية والاجتماعية المنسجمة معاً، والمكملة بعضها بعضا.. ومنهم من قال إن الثقافة الحقة ، أن يكون لكل إنسان شخصية تمنحه التميز والبروز بين جمع من الناس حسب ظروفهم وإمكانياتهم ، مع وجود المصالح والأهداف التي تنسجم مع فكر وشخصية ذلك الإنسان مع من حوله ، والأهم أن تكون بعقلانية منتـظمة ومستمرة.

ومما فهمته عن الثقافة الحديثة، إنها البذرة التي تتكون منها شخصية الإنسان ، فيجعلها قاعدة ينطلق منها لتكوين قالب لشخصيته أمام الملأ ، فتصنعه وتبلوره في دائرة وتصنيف معين يظهر به أمام عقول الناس ، وهذه تشكل للآخرين قاعدة للمثـقف العارف الفاهم الذي يصل إلي مبتغاه مع إفادة نفسه ( بوجوده ) وغيره ( بحصوله ) .

وسمعت أيضاً : إن المثقف هو الإنسان الذي يبحث عن الكمال الإنسجامي العقلي مع عقول من حوله ، وأن يكون دائم التلاقح في الأفكار والمعلومات ، مع إظهار مدى جدية أخذه وعطاءه العقلي والتطبيقي في دورة حياته معهم.



لكن ، لماذا لا نقـول إن كل ما ذكر أعلاه مجرد كماليات وإكسسوارات للثقافة ! وإن الثـقافة الحقيقية هي : ( الكمال الأخلاقي ) ، وإن ثـقف الـُخلق الجيد ( التقاطه ) ووضعه في موضعه هو ( الثقافة بعينها )، فهل من المعقـول أن يكون شخص يتصف بكل الصفات المذكورة أعلاه ، ويفعل فعل قبيح ينفيه ويرفضه الدين والأعراف والعادات والقيم وقوانين المجتمع . ومثلا وليس حصراً : كالبصق على الأرض ، أو رمي المخلفات من السيارة ، أو عدم الانتظار في الدور ، أو زحمة السيارات ، أو سوء الخلق أثناء التحدث مع الناس أو الأرحام أو أصدقاء العمل أو الكثير من الأشياء المنكرة القبيحة التي يرفضها المجتمع .. هل نسمي هذا الشخص ( مثـقف ) ؟ .... في اعتقادي الشخصي المحدود ( وأن أختلف معي الكثير ) : إن الثقافة الأخلاقية أهم من الثقافة العلمية ، ولذلك بعث الله سبحانه وتعالى الأنبياء كي يكملوا الناس ويثقفوهم أخلاقيا ، ولم يبعثهم كي يكملوهم يثقفوهم علمياً ! أي نعم علموا الناس القراءة والكتابة ، ولكن كتكميلي ثانوي ، وليس مطلباً أساسياً ، لأن الشعـوب تستطيع أن تعيش مع بعض بسلام ومحبة ( بلا علم ) ، لكن لا تستطيع أن تفعلها ليوم واحد بلا ( أخلاق ) .

فوزي صادق / روائي وباحث : alholool@msn.com

Comments (0)