الحمد لله على ما منّ و أكرم به , و الشكر له سبحانه على استمرارية المادة رغم بعد السنة الأولى لبدايتها , و الصلاة و السلام على خير الورى حبيبنا وسيدنا و قدوتنا و آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين و بعد :
نكمل ما بدأنا و حيث ما انتيهنا العام الماضي عند سورة النور ستكون بداية هذا العام مع سورة الفرقان 
للتذكير الاختصارات هي : ن أسباب النزول للنيسابوري , ط تفسير الطبري , س تفسير السعدي , ك تفسير ابن كثير , ق تفسير القرطبي . بسم الله نبدأ ...
سورة الفرقان سورة الفرقان سورة مكيّة آياتها 77 وترتيبها بين السور 25. ولفظ الفرقان يشير إلى القرآن الكريم وسمي بالفرقان لأنه يفرق بين الحق والباطل .
ن :
- قوله تعالى " ويوم يعض الظالم على يديه " قال ابن عباس في رواية عطاء الخراساني : كان أُبي بن خلف يحضر النبي صلى الله عليه وسلم و يجالسه ويستمع إلى كلامه من غير أن يؤمن به , فزجره عقبة بن أبي معيط عن ذلك فنزلت . وقال الشعبي : و كان عقبة خليلا لأمية بن خلف فأسلم عقبة , فقال أمية : وجهي من وجهك حرام إن تابعت محمدا فكفر وارتد لرضا أمية فأنزل الله الآية .
- قوله تعالى " و الذين لا يدعون مع الله إلها آخر " عن ابن عباس أن ناسا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا , ثم أتوا محمدا صلى الله عليه و سلم فقالوا إن الذي تقول و تدعو  إليه لحسن لو تخبرنا أنا لما علمنا كفارة , فنزلت الآيات .رواه مسلم 
ط:
- آية6 " قل أنزله الذي يعلم السر في السموات و الأرض "قل يامحمد : بل هو الحق أنزله الرب , الذي يعلم سر من في السموات و الأرض لا يخفى عليه .
- آية 20 " وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون " قال الحسن : يقول الأعمى : لو شاء الله لجعلني بصيرا مثل فلان , ويقول الفقير : لو شاء الله لجعلني غنيا مثل فلان و يقول السقيم : لو شاء الله لجعلني صحيحا مثل فلان .
 - آية 22 :" ويقولون حجرا محجورا " وتقول الملائكة للمجرمين : حراما محرما أن تكون لكم البشرى اليوم من الله .
- آية 28 : " ياويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا " يا هلاكي ليتني لم أصادق هذا الإنسان . ونزلت في عقبة بن أبي معيط الواردة قبل  عند النيسابوري من قول الشعبي .
- آية 45 : " ألم تر إلى ربك كيف مد الظل "ألم تر إلى عجيب صنع ربك . كيف جعل الظل ممتدا منبسطا على الأجسام , ولو شاء لجعله ساكنا لاصقا بكل مُظل ثم جعلنا الشمس دليلا على ورود الظل , فلولا وقوع ضوء الشمس على الأجرام لما عرف أن للظل وجودا , ثم أزلنا الظل يسيرا يسيرا لا دفعة واحدة فإنه كلما ازداد ارتفاع الشمس ازداد نقصان الظل فالآية من أدلة التوحيد.
آية 61 : " تبارك الذي جعل في السماء بروجا "  تقدس الرب الذي جعل في السماء قصورا ,رجح الإمام ابن جرير ذلك لأنه يتمشى مع كلام العرب بينما رجح غيره أنه الكواكب العظام .
- آية 70 : " فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات " يبدل اله أعمالهم السيئة حسنات في الإسلام فيبدلهم بالشرك إيمانا و بالزنى عفة و إحصانا , و هذا التبديل إنما يكون في الدنيا , يبدل الله أعمالهم السيئة إلى أعمال حسنة و هذا ما رجحه الطبري و هو قول ابن عباس و الحسن و مجاهد .و قيل التبديل في الآخرة يمحو الله ذنوبهم فيجعلها حسنات .
س :
- آية 2 " و خلق كل شيء فقدره تقديرا " شمل خلق العالم العلوي و العالم السفلي .
- آية 3 " و لا يملكون موتا و لا حياة و لا نشورا " أي بعثا بعد الموت .فأعظم أحكام العقل بطلان إلهيتها وفسادها و فساد عقل من اتخذ آلهة و شركاء للخالق لسائر المخلوقات .
- آية 5 " وقالوا أساطير الأولين اكتتبها " هذا القول منهم فيه عدة عظائم :
* رميهم الرسول الذي هو أبر الناس و أصدقهم بالكذب و الجرأة العظيمة .
* إخبارهم عن هذا القرآن الذي هو أصدق الكلام و أعظمه و أجله بأنه كذب و افتراء .
* أن في ضمن ذلك أنهم قادرون أن يأتوا بمثله .
* أن الرسول قد عُلمت حاله , وهم أشد الناس علما بها , أنه لا يكتب و لا يجتمع بمن يكتب له , وهم قد علموا ذلك .
- آية 12 " إذا رأتهم من مكان بعيد "  قبل وصولهم ووصولها إليهم ( سمعوا لها تغيظا ) عليهم و ( زفيرا ) تقلق منهم الأفئدة ووتصدع القلوب و يكاد الواحد منهم يموت خوفا منها و ذعرا , قد غضبت عليهم لغضب خالقها و قد زاد لهبها لزيادة كفرهم و شرهم .
- آية 18 " حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا " اشتغالا في لذات الدنيا , و انكبابا على شهواتها , فحافظوا على دنياهم و ضيعوا دينهم , وكانوا قوما بورا أي : بائرين لا خير فيهم و لايصلحون لصالح .
- آية 21 " لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا " حيث اقترحوا هذا الاقتراح , وتجرأوا هذه الجرأة , فمن أنتم يا فقراء ويا مساكين ,حتى تطلبوا رؤية الله , وتزعموا أن الرسالة متوقف ثبوتها على ذلك ؟ و أي كبر أعظم من هذا ؟
- آية 72 " وإذا مروا باللغو مروا كراما " مروا باللغو و هو الكلام الذي لا خير فيه , و لا فيه فائدة دينية و لا دنيوية ككلام السفهاء و نحوهم , و في قوله ( مروا باللغو) إشارة إلى أنهم لا يقصدون حضوره و لا سماعه و لكن عند المصادفة التي من غير قصد يكرمون أنفسهم عنه .
ك :
- آية 14 " لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا و ادعوا ثبورا كثيرا " قال الضحاك : الثبور الهلاك و الأظهر : أن الثبور يجمع الهلاك و الويل و الخسار و الدمار .
- آية 20 " وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق " يقول الله مخبرا عن رسله المتقدمين أنهم كانوا يأكلون الطعام ويحتاجون إلى التعذي به و يمشون في الأسواق للتكسب , ما ذلك بضائرهم فإن الله تعالى رزقهم من الصفات الكاملة و الأعمال الفاضلة و الخوارق والمعجزات ما يستدل به كل ذي عقل سليم على صدق دعوتهم و لم يجعلهم الله إلا بشرا يأكلون و يشربون .
- آية 22 " يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين " أي هم لا يرون الملائكة إلا في يوم لا بشرى لهم فيه و ذلك يصدق على وقت الاحتضار حين تبشرهم الملائكة بالنار و الغضب من الجبار و قال آخرون : بل المراد يعني يوم القيامة , قال مجاهد و الضحاك و غيرهما : و لا منافاة بين هذا وما تقدم فإن الملائكة في هذين اليومين يوم الممات و يوم المعاد تتجلى للمؤمنين و للكافرين فتبشر المؤمنين بالرحمة و الرضوان و تخبر الكافرين بالخيبة و الخسران فلا بشرى يومئذ للمجرمين .
- آية 51 " و لو شئنا بعثنا في كل قرية نذيرا " يدعوهم إلى الله عز و جل و لكنا خصصناك يا محمد بالبعثة إلى جميع الأرض و أمرناك أن تبلغهم هذا القرآن .
- آية 61 " تبارك الذي جعل في السماء بروجا " يمجد الله نفسه ويعظمها على جميل ما خلق في السموات و الأرض من البروج و هي الكواكب العظام التي قيل أنها قصور للحرس و يروى هذا عن علي وابن عباس وغيرهما .
- آية 74 " واجعلنا للمتقين إماما " أي أئمة يقتدى بنا في الخير , فأحبوا أن تكون عبادتهم متصلة بعبادة أولادهم و ذرياتهم و أن يكون هداهم متعديا إلى غيرهم بالنفع و ذلك أكثر ثوابا و أحسن مآبا .
ق :
- سورة الفرقان مكية كلها في قول الجمهور و قال ابن عباس وقتادة : إلا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة , و مقصود هذه السورة ذكر مواضع عظم القرآن و ذكر مطاعن الكفار في النبوة و الرد على مقالاتهم و جهالاتهم , فمن جملتها قولهم : إن القرآن افتراه محمد و إنه ليس من عند الله .
- آية 1 : " تبارك الذي نزل الفرقان  "  قال الطرماح :   تباركت لا معط لشيء منعته   و ليس لما أعطيت يارب مانع 
-  الفرقان قيل القرآن وقيل أنه اسم لكل منزَّل , وفي تسميته فرقانا وجهان : أحدهما : لأنه فرق بين الحق و الباطل , والمؤمن و الكافر 
الثاني : لأن فيه بيان ما شرع من حلال وحرام حكاه النقاش .
- آية 2 " الذي له ملك السموات و الأرض " عظم تعالى نفسه . " و لم يتخذ ولدا " نزه سبحانه وتعالى نفسه عما قال المشركون من أن الملائكة أولاد الله , يعني بنات الله وعما قالت اليهود : عزير ابن الله , جل الله في علاه و عما قالت النصارى : المسيح ابن الله , تعالى الله عن ذلك .
- آية 4 " وقال الذين كفروا " يعني مشركي قريش . وقال ابن عباس : القائل منهم ذلك النضر بن الحرث , وكذا كل ما في القرآن فيه ذكر الأساطير . قال محمد بن إسحق و كن مؤذيا للنبي .
- آية 10 " ويجعل لك قصورا " أي سيجعل لك في الآخرة قصورا . قال مجاهد : كانت قريش ترى البيت من حجارة قصرا كائنا ما كان . والقصر في اللغة الحبس و وسمي القصر قصرا لأن من فيه مقصور عن أن يوصل إليه .
- آية 13 " دعوا هناك ثبورا " أي هلاكا , قاله الضحاك . وقال ابن عباس : ويلا , وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( أول من يقوله إبليس و ذلك أنه أول من يكسى حلة من النار / فتوضع على حاجبيه و يسحبها من خلفه وذريته من خلفه وهو يقول واثبوراه )  .
- آية 14 " لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا " نزلت في ابن خَطَل و أصحابه .
- آية 20 " وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام و يمشون في الأسواق " وفيها ":
* هذه الآية أصل في تناول الأسباب وطلب المعاش بالتجارة و الصناعة و غير ذلك .
* خرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أحب البلاد إلى الله مساجدها و أبغض البلاد إلى الله أسواقها )
- آية 21 " وقال الذين لا يرجون لقائنا " يريد لا يخافون البعث ولقاء الله , وقيل لا يرجون لا يبالون , وقيل لا يأملون .
- آية 39 " و كلا تبرنا تتبيرا " أي  أهلكنا بالعذاب ,  وتبرت الشيء كسرته .
- آية 40 " و لقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء " يعني مشركي مكة . والقرية قرية لوط .
- آية 45 " ألم تر إلى ربك كيف مد الظل " يجوز أن تكون هذه الرؤية من رؤية العين , و يجوز أن تكون من العلم .
- آية 47 " و هو الذي جعل لكم الليل لباسا " يعني سترا للخلق يقوم مقام اللبس في ستر البدن , قال الطبري : وصف الليل باللباس تشبيها من حيث يستر الأشياءويغشاها
* قال ابن العربي : ظن بعض الغفلة أن من صلى عريانا في الظلام أنه يجزئه لأن الليل لباس , وهذا يوجب أن يصلي في بيته عريانا إذا أغلق عليه بابه . والستر في الصلاة عبادة تختص بها ليس لأجل نظر الناس .
* " والنوم سباتا " أي راحة لأبدانكم بانقطاعكم عن الأشغال .
* " وجعل النهار نشورا " من الانتشار للمعاش , أي النهار سبب الإحياء للانتشار .
- آية 48 " و أنزلنا من السماء ماء طهورا " يتطهر به كما يقال : وضوء للماء الذي يتوضأ به , وكل طهور طاهر و ليس كل طاهر طهورا .
* المياه المنزلة من السماء و المودعة في الأرض طاهرة مطهرة على اختلاف ألوانها وطعومها و أرياحها حتى يخالطها غيرها .
* ذهب المصريون من أصحاب مالك إلى أن قليل الماء يفسده قليل النجاسة و أن الكثير لا يفسده إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه من المحرمات .
* الماء المتغير بقراره كزرنيخ أو جير يجري عليه أو تغير بطحلب أو ورق شجر ينبت عليه لا يمكن الاحتراز عنه فاتفق العلماء أن ذلك لا يمنع من الوضوء به , لعدم الاحتراز منه و الانفكاك عنه .
* قال علماؤنا رحمهم الله : ويكره سؤر النصراني و سائر الكفار و المدمن الخمر و ما أكل الجيف كالكلاب و غيرها , ومن توضأ بسؤرهم فلا شيئ عليه حتى يستيقن النجاسة .
* الكلب إذا ولغ في الإناء فقال مالك : يغسل الإناء سبعا و لا يتوضأ منه وهو طاهر .
* ما مات في الماء مما لا دم له فلا يضر الماء إن لم يتغير ريحه فإن أنتن لم يتوضأ به .
* ذهب الجمهور من الصحابة وفقاء الأمصار وسائر التابعين بالحجاز و العراق أن ما ولغ فيه الهر من الماء طاهر و أنه لا بأس بالوضوء بسؤره لحديث أبي قتادة .
* كل إناء طاهر فجائز الوضوء منه إلا إناء الذهب و الفضة لنهي الرسول عن اتخاذهما .
- آية 61 " تبارك الذي جعل في السماء بروجا " أي منازل .
- آية 71 " و من تاب و عمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا " لا يقال من قام فإنه يقوم فكيف قال من تاب فإنه يتوب ؟ قال ابن عباس : المعنى من آمن من أهل مكة و هاجر و لم يكن قتل و زنى بل عمل صالحا و أدى الفرائض فإنه يتوب إى الله متابا , أي فإني قدمتهم  وفضلتهم على من قاتل النبي و استحل المحارم .
 تم بحمد الله و الموعد القادم مع سورة الشعراء .

Comments (0)