كنت أظنه يختلف كثيرا عما عرفت من الرجال الشرقيين ...بما اتسموا به من عنترية وفظاظة و بعد عن الإحساس النابض .

درستُ في المرحلة الجامعية وعرفته زميلا مثقفا ورجلا واعدا بمستقبل مزهر .

ذكائه وحسن سمته وجمال منطقه ربما جعلاني أُعجب به وأتمنى كما تتمنى غيري من زميلاتي أن يكون من نصيبها .

في سنتي الأخيرة وقبل التخرج مرض مرضاً شديدا ألزمه البيت وأبعده عن الدراسة فطلب تأجيلا للفصل الأخير منها

بدون إرادة مني بل وبغبائي طلبت تأجيلاً رغم رفض أهلي لذلك وتعللت أني أريد أن أقدم أفضل للتخرج .

كنت أريد أن أكون قريبة منه أكثر ومواسية له .

طلبت رقم هاتفه وكنت أتصل عليه كل يوم أطمئن على صحته وحالته .

سر كثيرا بذلك مني وصار يشعرني بأني إنسانة تختلف كثيرا عن باقي الفتيات التي يراهن في الجامعة .

صار الحديث بيننا أكثر تآلفا و بات الشوق لسماع صوته ما يحركني لأن أبعث رسالتي الصباحية

 عندما أستيقظ لأعلمه بأني مستعدة لاستقبال مكالمته .

ابتعدت كثيرا في تلك الفترة عن أهلي وصار ينتابني شعور بالامتلاء من كل شئ من الطعام والخروج من المنزل

 والأنس بأهلي وأصدقائي ومجتمعي وكل شئ .

انخفض وزني وصرت هزيلة وصارت الغرفة هي حياتي , .كلما حاولت أمي الدخول لمعرفة سر سرحاني وسر ابتعادي عن العالم

 الذي هم فيه ابتعدت  واعتذرت بأمور أدعي فيها أني بخير وأمسك أحد كتبي التي أقرئها من الشعر الذي أتقنه وأبدع فيه أو قد 

أمسك إحدى المجلات لأتصفحها .

ظنت أمي أني حبيسة شعري فتركتني وليتها لم تفعل ...

كنت حبيسة هذا الرجل الشرقي الذي اجتاح مشاعري كعاصفة قوية في يوم ساكن في الصحراء

فحرك جميع الرمال ولفها في زوبعته وحمل معها كثيرا من الأشجار الشوكية ليلقي بها كلها في مكان لا يهمه

 أو يعنيه بشيء سوى أنه إعصار أبدى قوته ونجح في نقل كومة من مكان إلى مكان آخر .

في محاداثتي التي صارت معه كمسكن لمشاعري المتأججة كل يوم كنت أحاول أن أكون فيها جدية

 رغم ميلي له وقد يشعره بتناقض في تصرفي رغم تأكده من أني وقعت في شباكه .

بدأتُ في مكالماتي الأخيرة منه أسمع كلمات الإعجاب التي كنت أتمناها فلم أكن أسمع في بيتي من يمدح أو يذكر محاسن الفتاة

 وكأنها كومة من كومة الأثاث ..عمل ودراسة هما المطلبان المهمان منها .

تجاهلُ والدي لي ولبقية أخواتي الصغيرات كان فظيعا وكان كفيلا أن يُوقع إحدانا في شباك البحث عن رجل يمدح .

كنت قد قرأت في إحدى الروايات عن عاشِقَين سعيدين استطاعا أن يكونا زوجين , وأن الأمر موجود والحب غير مفقود

 وأن الرجل والشاب العربي قادر على النجاح بهذه المهمة شأنه شأن الرجل الغربي الذي نراه نموذجا في الحس المرهف

 مع تعامله مع زوجته أو صديقته .

كان أحمد يزداد قربا من قلبي وأجلس ما يقارب الساعتين في تبادل الرسائل معه بعد أن يكون قد تحدث إلي بحديث جميل

رائق عذب يرفعني فيه الى قمة من الروعة وجمال الحديث .

كان يصفني بأني رائعة وبأني سأكون زوجة مثالية له وأنه سيحبني كثيرا وسيبدل بعطفه كل نقص مني في حياتي .

كنت أصدقه ..كم كنت غبية ..كم كنت سادجة ..لكنه الحب .. كما كنت أقرأ وما يفعل .

تعافى أحمد وعادت له صحته بعد شهرين من المعاناة مع المرض والمعاناة مع قلبي واللعب به كورق اللعب الذي يلعب به الصغار 

عدنا للدراسة وعادت أحلامنا تكبر وتكبر ..لكن طلبات أحمد باتت تكبر أيضا .

كان يسألني عن رأيي في حكم كشف الوجه وعندما أجبته بجواز الوجهين قال فلما لا تريني إياه .

الكثير من الطالبات في الجامعه يكشفن وجوههن فلما لا تفعلي !

ترددت كثيرا في هذا الأمر لانه شخصي بحت وقد اعتدنا في أسرتنا على ذلك .

بعد مرات طلب مني أن أعطيه صورتي على الأقل ليرى وجهي المختفي تحت الستار وليشبع عيونه بجمال عيوني الرمادية ..التي أهلكته كما يزعم !

رفضت طلبه وكان يراوغ ..فأرفض وأتعذر بأنه سيراه لاحقا .

اقترب موعد تخرجنا وتقديمنا للبحث وكان بحقٍ مساعدا لي في بحثتي ومخلصا في ذلك .

مما زادني قربا منه وشعورا بأنه كل شئ لي في الحياة .

تخرجنا بتفوق وكنا سعيدين بذلك .

بعد التخرج عمل هو ولم أعمل أنا لرفض والدي مبدأ العمل للفتاة فالتعليم يكفي إلا إذا كانت بحاجة لذلك صيانة لها من عبث الرجال برأيه .

كانت شكواي من هذا لأحمد وكان يصبرني بأني سأحقق كل ما أريد .

عاد في طلبه صورتي لأنه يفكر جديا في التقدم لخطبتي ..ووافقت حينها 

كان قلبي ينبض بشدة خوفا رغم محبتي له واعتقادي بمحبته لي 

"أحمد أنت إنسان رائع أفتخر بك "..كان هذا ديدني كل يوم قبل أن أنتهي من مكالمتي معه فيرد ..."أنا أحبك يا سارة ".

ذات ليلة محمومة بمشاعر الحب والرغبة في الإلتقاء كنا ملتصقين بأرواحنا رغم بعد المسافات

 أسمعني مالم أسمعه أو أقرأه في قواميسي الشعرية 

طار بي وحلق في عالم لا يوصف ثم بادلني كلمات الحب و طلب مني ...طلب مني أن أقولها ...أنا أحبك ياأحمد ..

كانت صعبة ثقيلة على لساني الذي لم يعتد مثل هذا فتربيتي تضرب فوقي بخمار رغم أني خرقته لكن ما زلت أحتمي تحته ..

حاول وحاول ورفضت وقلت : لحينها ستستمع كل شئ .

في ذات ليلة كنت عند صديقتي جميلة في حفل خطبتها ..

والتقيت بمجموعة من الصديقات التي لم أرهن منذ فترة طويلة ولفت نظري وجود فتاة غريبة الأطوار 

تقلب بين يديها شيئا التف حولها البنات فالتففت معهن لأراها تقلب صورا تقول أن صديقها أعطاها إياها

 لتفعل بها ما تشاء فهي بقايا لا يحب أن يجمعها وقد مل منهن مقابل أن تأتي له بالجديد بدلا منها

قلبت الفتيات الصور وفجأة ظهرت صورتي ...صعق الجميع سارة ..أنت ...سارة .كيف ..سارة ...

سكت ..ارتديت عبائتي وخرجت مهرولة باكية

...اتصلت عليه لم يرد ...أرسلت له فلم يجب ...عرفت أنه رجل كباقي الرجال !

بكيت حرقة وندما وتمنيت أن تعود أيامي للوراء فما كنت أفعل ذلك .

خفت على صورتي أن تُنشر ويُعبث بها ولم أدر هل أصارح أمي بذلك لكنها لن تفهمني سيعود الامر وبالاً علي ..

بتُ في حالة صحية سيئة .

مرضت ..أُصبت بالوسواس ..لم يدر أهلي بما جرى , وانقطع أحمد عن الاتصال ثم بعث يوما برسالة ..قال فيها " كنت أجربك 

ووجدتك مثل باقي الفتيات .

ما الضمان بأنك لن تفعليها مع غيري إذا تزوجتك "

رددت عليه " أنت رجل شرقي أناني ..عبثت ولم تصدق مالذي يضمن لي أن لا تخونني مع نساء أخريات ؟!

لن تتغيرو ا ولن تشعروا بقيمة الحب الحقيقي لم أعبث يا أحمد أحببتك من كل قلبي لكنك لا تستحق ...

الوداع لكن أرجوك لا تكررها مع أي فتاة واحترم دينك وقيمك وسأفعل  "

أما أنا فقد حاولت أن أشتري صورتي من تلك الفتاة بمبلغ كبير طلبَتُه وخرجتُ من عالم صديقاتي التي شاهدن الصورة

وانتهت قصة ألمي مع شخص كنت أظنه يختلف ...

Comments (11)

On 19 ديسمبر 2010 في 8:18 م , غير معرف يقول...

قصة جميلة .. ما اجمل الحب عندما يكون صادقاً وشريفاً
وما اصعب الحب عندما يكون مبني على الخداع والعبث بمشاعر الاخرين
الحمدلله ياساره انه اخذ صورة ولم يأخذ اغلى شيء عندك
كنت خايف من النهاية المأساوية

 
On 19 ديسمبر 2010 في 11:22 م , الأديبة / فاطمة البار يقول...

شكرا ..استاذ سامر
نعم قضية الصورة اخف كثيرا من سواها رغم خطأها..وهي كثيرا ما تحدث لسذاجة النساء واندفاع عواطفهن ولمكر الرجال العابثين ..
الحب النقي الصادق برئ وواضح ولا يهمل احد الطرفين الآخر أو يتجاهله أو يسئ إليه بأي حال وما حدث لسارة هو عقاب لها لقبولها بالخطأ وبالطبع سيكون لأحمد عقاب ....نسأل الله الحفظ لنساء ورجال المسلمين .
شكرا ثانية لاضافتك

 
On 20 ديسمبر 2010 في 10:25 ص , غير معرف يقول...

الأديبة البارة ..
تتضح معالم الرؤيةوتجمع الطرفين
في عنق زجاجة ضاق إتساعها.
سارةالشرقيةتقول أراك كباقي الرجال
الشرقيين وهذاحكم لايستحقه إلا أحمد ..
وأحمد يقول أيضاكنتُ أجربك وإنك كباقي الفتيات
حكم لاتستحقه إلا سارةمن قاضيهاأحمدالشرقي
أختي الأديبة البارةهكذاهي حكمةالحياة ومن عليها
وما إنجراف سارةالشرقية نحو سراب حب أحمدالشرقي
إلا خطأ يقع فيه الكثيرممن عرفناوأسفي أن جعل طهر وعفاف الحب وعذريته تجارب يحيكهاالبعض بمكائد
بعد قضاء غرض قضي أم لا يقضى ومثله كمثل الزبديذهب جفاءوأما صدق الحب وعفافه وطهره وعذريته وإن لم ينتهي بالزواج الشرعي فيمكث في الأرض كمثل ماينتفع به الناس .
كانت ضريبة سارة بإندفاعهاوإنجرافهاوإعطاؤها صورتهالأحمدماهوإلا تحكيم عاطفة وفقدان وغياب عقل لأنها لم تدرك ماسيترتب عليه مابعدذلك خاصة وإن العلاقة كانت سرية .
وبهذا تكون سارة الشرقيةسددت قيمة فاتورةلم تنتهي مدة صلاحيةمدتهابعدوهذا من لطف ربناوعلينا أن نعي جميعناونراقب ربنافي تصرفاتناوبذلك يكون النجاح وعدم الخذلان أتمنى للجميع التمتع بحب صادق نقي يقدره من يفهم معناهراجيامن البارئ أن يغرس محبته ومحبة حبيبه وآله وصحابته الأخيارفي كوامن ذواتنالتنتعش الأرواح ولاتطلب غير الطهروالعلو والرفعة أجارنا الله من الوقوع وسخر لنا من يأخذ بأيديناإلى سماوات العُلى .
شكرك أختي الأديبةالبارةهكذا عهدتك ممن يجيدون الإحاطةوالإلمام بالكثير من مسائل ومجريات أمورنا الحياتية أعجبتني القصة حقيقة حد الدهشة وكنت أنتظر النهاية والخوف مما سيقع بصبر عجيب
هكذا هم المبدعون كم تركون جمراً على الأكف !
وفقك الله في كل ما ترمين إليه ولنأخذ العبرة مما قصصتي علينا ولتعيها أذن واعية .
أخوك الداعي لك بالخير
حامدالبار ..

 
On 20 ديسمبر 2010 في 12:10 م , الأديبة / فاطمة البار يقول...

أهلا بأديبنا وشاعرنا ..
أخ حامد كتبت فأجدت وشرحت فوفقت ..
أقف شاكرة ومعجبة بماأضفته ..
وليحفظ الله بناتنا وأبنائا والتربية وأخطائها ضريبة يدفع فاتورتها الابناء فيما بعد ولعل موضوع سارة هنا يرتبط بموضوع علاقة الفتاة بابيها التي طرحتها في نسائم وكلها هفوات في المجتمع نعيشها ولا نعلم وقوعنا فيها الا عند حدوث الكوارث جنبنا الله واياكم وجميع المسلمين وملأ قلوبنا بحبه وحب نبيه ووفقنا للخير ..
شكرا وفضلا لمرورك بعد غياب.

 
On 6 يناير 2011 في 2:17 ص , وفاء يقول...

كنت اظنه يختلف
من هذه الجملة ننسج اوهامنا رغم تكرر الاخطاء
قصه رشيقه جدا

 
On 6 يناير 2011 في 6:01 ص , الأديبة / فاطمة البار يقول...

هلا ياوفاء ..
قد يكون حقا نسج وهم وقد تكون حقيقة صبح لابد ان تظهر
شكرا لك

 
On 6 أكتوبر 2011 في 11:05 م , هشام باطرفي يقول...

راائعة بكل ما تحمله الروعة من معنى
~~جمال الاسلوب والعرض يلتقي وجمال المضمون والمعالجة ~~اسمحي لي بنشرها

 
On 7 أكتوبر 2011 في 2:19 ص , الأديبة / فاطمة البار يقول...

اهلا بك اخي هشام
بالطبع يمكنك النشر
لكن لا تنسى نسبتها ولا تتركها دون مرجع
سعيدة بمرورك الرائع
دمت صديقا لنسائم

 
On 30 يوليو 2012 في 1:30 ص , غير معرف يقول...

مشكلة عميقه في بيوتنا الشرقيه ومع تطور الأجهزه وسرعة الحياة فقد التواصل العاطفي والفكري بين الأم وأبنتها مع ان حل معظم مشاكلنا أما من جهل الأم بدورها داخل أسرتها أو نظرة البنت المتعاليه بعقليتها المتطوره على حد نظرتها المحدودة وخبرتها في الحياة وفي هذ الحالة خلق جسر تواصل بين الكبار وأبنائهم جيل الحداثه هو الحل معادله تتكون من الإستيعاب والتواصل وتقبل الأفكار وتعديلها بطريقه هادئه بعيدة عن العنف إسلوب لا بد منه لتلافي مثل هذه المصائب وصنع جيل من البنات والأولاد واعي ومدرك لكل خطوة يخطوها في الحياة وشق مستقبله بفكر واعي وعقليه متزنه بعيدة كل البعد عن السذاجه والدونيه في التفكير

 
On 30 يوليو 2012 في 1:32 ص , غير معرف يقول...

ياليت تكون فيه مصداقيه وحريه للطرح وعدم حجب وجهه نظري بدون سبب يذكر

 
On 30 يوليو 2012 في 5:50 م , الأديبة / فاطمة البار يقول...

اهلا بك و بوجهة نظرك العقلانية و المتزنة و التي أصابت الحقيقة , الوصول لعلاقة مرنة بين الوالدين و الابناء في هذا الوقت حل مفيد و قاطع لكثير من المشكلات التي تعاني منها الاسر
مداخلة رائعة فشكرا و نسايم ترجو ان تكون محل ثقة لكل القراء فلا تحجب الآراء و لو خالفت مالم يكن فيها إساءة للدين أو للشخوص .