لم نكن نعلم أننا سنتجول ذات لحظة في أروقة أعمارنا الهرمة ، و لم نكن نعلم أننا سننظر للأشياء كلها ..كلها ..بزهد وكأنها لاشيء ! كأنها صفر شمال !
لم نكن نعلم أن ضحكاتنا ستكون مكتومة لهذا الحد ، ربما لم نعد نرغب أن يرانا الناس بلا طقم أسناننا الذي يقضم الضعف والبراءة ، يقضم بعنف وجهل وقسوة ، لايستسيغ اللقم الطرية ليثبت كم هو قوي ،عنيد ،و قادر .
لم نكن نعرف أننا سنكون كشريط فيديو يستعرض مشاهده ، أو كمسجل صوت يتلو على سامعيه قصصا كتلك التي نحكيها لأطفالنا قبل النوم .
حقا لم نكن نعرف أن الساعة لاتحتمل العمر ، تمشي الهوينا ويسرع هو ، تحاول أن تسبقه بانتظام فيسبقها بعشوائية ساكنة .
لم نكن نعرف أن اللحظات التي غضب منها والدانا وأجدادنا لأننا نتشبث بحماقاتنا هي ذات اللحظات تغمرنا اليوم ، نقف ذات المشهد ، نزمجر ونمنع ، نتشاجر مع أبناءنا ليضحكوا علينا في دواخلهم ويرجمونا بالتخلف والرجعية لأننا لا نفهم مغزاهم ولانفكر مثلهم .
نعم ساذجون في عرفهم كما كان من سبقنا ساذج في عرفنا!
قاسية هذه اللحظات التي اختفت فيها بهرجة الألوان ، وما صارت المساحيق والعطور تعني أكثر من قشرة ، لم نكن نعرف الكثير مما في أروقة عمر من عاصرناهم وفارقونا ، لم نكن نعرف أن الحياة لاتعني غير عطسة مزكوم في وجه سليم ، ينفث فيها بعضها ثم يشفى منها . لم نكن نعلم أننا سنهتم كثيرا ذات يوم كيف سنخرج ، لا للسوق ولا للزيارة ولا للملهى ولا لكرة القدم ولا السباحة والتسليه والترف، ولكننا سنهتم كيف سنخرج من هذه الدنيا ، وعلى أي شكل ، وسنندم كثيرا ، وسنعيد نصائح سمعناها وسنزهد غيرنا وسيعصوننا ويمارسون نفس حماقتنا .
حقا ..حمقى في هذه الحياة لم نكن ندرك أننا سنسجل حماقاتنا ذات يوم !

Comments (0)