الحمد لله و الصلاة و السلام على خير خلق الله و آله و صحبه ومن اهتدى بهداه .
ستغمرنا اليوم فوائد سورة جميلة , سورة الإسراء أو سورة بني إسرائيل و هي من السور المكية إلا الآيات 26 , 32 , 57 , 73ومن إلى80 فمدنية  عدد آياتها 111 آية و نزلت بعد سورة القصص .


ن :
- " و لا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك " عن عبدالله قال : جاء غلام إلى رسول الله فقال : إن أمي تسألك كذا و كذا فقال ما عندنا
اليوم شيء , قال فتقول لك اكسني قميصك , قال فخلع قميصه فدفعه إليه و جلس في البيت حاسرا فأنزل الله سبحانه الآية .
- " و قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن " نزلت في عمر بن الخطاب لما شتمه رجل من الأعراب فأمره الله بالعفو .
- " و الشجرة الملعونة في القرآن " عن ابن عباس قال :لما ذكر الله  الزقوم  خوف به هذا الحي من قريش فقال أبو جهل : هل تدرون ما هذا الزقوم الذي يخوفكم به محمد ؟ قالوا : لا . قال : الثريد بالزبد , أما و الله لئن أمكننا منها لنتزقمنها تزقما فأنزل الله الآية .
- "و إن كادوا ليستفزونك من الأرض " قال عثمان : إن اليهود أتوا نبي الله فقالوا : إن كنت صادقا أنك نبي فالحق بالشام فإن الشام أرض المحشر و المنشر و أرض الأنبياء فصدق ما قالوا و غزا غزوة تبوك لا يريد بذلك إلا الشام فلما بلغ تبوك أنزل الله الآية .

ط :
- آية 1 : اتفق العلماء على أن الإسراء كان بالروح و الجسد يقظة لا مناما , هذا هو الصحيح الذي ذهب إليه الطبري و جمهور المفسرين و الذي دلت عليه النصوص من الكتاب و السنة و نذكر هنا أدلة الجمهور بإيجاز فنقول :
1- إن بدء السورة بالتسبيح يدل على أن الأمر كان خارقا و عجيبا .
2- أن الله قال " أسرى بعبده " و الإسراء هو السير ليلا و قطع المسافات فعلا , و لفظ  " العبد " مجموع للروح و الجسد فلم يقل بروح عبده .
3- ركوبه عليه السلام على البراق كما في صحيح البخاري , و الدابة تحمل الجسد لا الروح .
4- لو كان الإسراء بالمنام لما كذبته قريش فإن أمر المنام ليس فيه شيء عجيب .
5- ذكر الله الزمان فقال " ليلا " و المكان فقال " من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى " , و الحكمة و الغاية فقال " لنريه من ءاياتنا " أي من عجائب قدرتنا فلا بد أن تكون رؤية الآيات حقيقية و أنها وقعت فعلا باليقظة لا المنام و أن الإسراء كان بالروح و الجسد  و ذلك ما دلت عليه النصوص .
 - آية 4 : " لتفسدن في الأرض " الفساد الأول قتلهم نبي الله زكريا و الفساد الثاني قتل يحيي ابنه .
- آية 32 " و لا تقربوا الزنى " آكد و أبلغ و " و لا تزنوا " لأنه نهي عن الزنى و مقدماته كالنظر و الاختلاط و محادثة النساء .
- آية 60 " فتنة للناس "  أما فتنتهم في الرؤيا فارتداد من ارتد عن الإسلام و استهزاء المشكرين حين أخبرهم عما رآه في إسراءه و أما فتنتهم في الشجرة فقولهم كيف تنبت شجرة في النار و النار تأكل الشجر , و فيه إشارة إلى قول أبو جهل اللعين : يزعم صاحبكم أن في النار شجرة و النار تأمل الشجر و كان يدعو بالتمر و الزبد و يأكل هذا بهذا و يقول هذا الزقوم الذي أوعدكم به محمد فتزقموا .
- آية 71 " بإمامهم " بإمامهم الذي كانوا يقتدون به و هذا ما رجحه الطبري لأنه الأشهر في معنى الإمام , و رجح ابن كثير
أن الإمام هو كتاب أعمالهم .
- آية78 " أقم الصلاة " قال ابن كثير : دلوك الشمس : زوالها و هذا الآية دخلت فيها الصلوات الخمس فدلوك الشمس يدخل فيه
الظهر و العصر , و غسق الليل يدخل فيه المغرب و العشاء , وقرآن الفجر هي صلاة الفجر .
- آية 80 " مدخل صدق " وصف الإدخال و الإخراج بالصدق للمبالغة كأنه يقول : أدخلني إدخالا ليس فيه شيء من المكروه
و المراد الإدخال للمدينة و الإخراج من مكة حين آذاه المشركون و أمره ربه بالهجرة إلى المدينة .
- آية 81 : " و قل جاء الحق " حين فتح الرسول مكة و كان حول البيت 360 صنما فحطمها الرسول و هو يقرأ الآية .
- آية 97 : " عميا وبكما وصما " لا يرون شيئا يسرهم و لا ينقطون بحجة و لا يسمعون شيئا يسرهم و السبب في حشرهم يوم القيامة بهذه الحال أنهم كانوا في الدنيا متعامين عن الحق لا يسمعونه فجوزوا على ذلك جزاء وفاقا , و إنما فسر الشيخ الطبري الآية جمعا بين النصوص الكريمة فإن الله قد أخبر بأنهم يرون و ينطقون و يسمعون حيث قال " ورأى المجرمون النار " و قال " سمعوا لها تغيظا و زفيرا " ففسره الطبري بأنهم لا يسمعون شيئا يسرهم .

س:
- آية 2 " و ءاتينا موسى الكتاب " كثيرا ما يقرن الباري بين نبوة محمد و موسى عليهما السلام و بين كتابيهما و شريعتيهما
لأن كتابيهما أفضل الكتب و شريعتيهما أكمل الشرائع و أتباعمها أكثر المؤمنين .
- آية 7 " و ليدخلوا المسجد " المراد مسجد بين المقدس .
- آية 28 " فقل لهم قولا ميسورا " لطيفا يرفق ووعد بالجميل عند سنوح الفرصة و اعتذار بعدم الإمكان في الوقت الحاضر لينقلبوا عنك مطمئنة خواطرهم .
- آية 57 : جمع الله الخوف و الرجاء و المحبة , و علامة المحبة ما ذكره الله أن يجتهد العبد في كل محل يقربه إلى الله و ينافس
في قربه بإخلاص الأعمال كلها لله و النصح فيها و إيقاعها في أكمل الوجوه المقدور عليها .
- آية 78 " وقرآن الفجر " أي صلاة الفجر و سميت قرآنا لمشروعية إطالة القرآن فيها أطول من غيرها و لفضل القراءة فيها حيث شهدها الله و ملائكة الليل و النهار .
- آية 82 : " و ننزل من القرآن ما هو شفاء " فالقرآن مشتمل على الشفاء و الرحمة و ليس ذلك لكل أحد , إنما ذلك للمؤمنين به المصدقين بآياته , أما الظالمون بعدم التصديق به أو عدم العمل به فلا يزيدهم إلا خسارا .

ك :
- الإسراء و المعراج تكريم الله لعبده و رسوله محمد صلى الله عليه وسلم لم ينله رسول قبله .
- آية 3 " ذرية من حملنا مع نوح " تقديره أي يا ذرية من نجينا فحملنا مع نوح في السفينة , تشبهوا بأبيكم " إنه كان عبدا شكورا" و سمي عبدا شكورا لأانه كان إذا أكل أو شرب حمد الله .
- آية 5 " عبادا لنا أولي بأس شديد " اختلف المفسرون في هؤلاء المسلطين فقيل إنه جالوت و جنوده و قيل ملك الموصل سنجاريب و قيل بختنصر ملك بابل و غيرها من الآثار الإسرائيلية .
-آية 13 " ألزمناه طائره في عنقه " و ذكر العنق لأنه عضو من الأعضاء لا نظير له في الجسد و من ألزم بشيء فيه فلا محيد له عنه .
- آية 15 " و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " الرسول المعني هو الرسول النبي و الرسول غير النبي إذ كل من حمل رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ليبلغوها فهم رسل إليهم و سيعذبون إن لم يتبعوهم " بمعنى مبلغ الرسالة " .
- أولاد المشركين : من العلماء من جزم لهم بالنار و منهم من ذهب أنهم يمتحنون يوم القيامة في العرصات فمن أطاع دخل الجنة و انكشف علم الله فيهم بسابق السعادة و من عصى دخل النار داخرا و انكشف علم الله فيه بسابق الشقاوة و هذا القول يجمع بين الأدلة كلها و الخلاف مخصوص بأطفال المشركين , فأما ولدان المؤمنين فلا خلاف بين العلماء في أنهم من أهل الجنة .
- آية 25 : قال سعيد بن جبير : هو الرجل تكون منه البادرة إلى أبويه لا يريد إلا الخير بذلك أي في نيته و قلبه لا يريد إلا الخير .
- آية 26 " و لا تبذر تبذيرا " قال مجاهد : لو أنفق إنسان ماله كله في الحق لم يكن مبذرا ولو أنفق مدا في غير حق كان مبذرا .
- آية 30 " و لا تبسطها كل البسط  فتقعد ملوما محسورا " : محسورا بلا شيء تنفقه كالحسير و هي الدابة التي عجزت عن المسير فوقفت ضعفا و عجزا فإنها تسمى الحسير .
- آية 41 " وما يزيدهم " أي الظالمين منهم , " إلا نفورا " أي عن الحق و بعدا منه .
- آية 44 " و إن من شيء إلا يسبح بحمده " أي كل مخلوق يسبح بحمد الله و هذا عام في الحيوانات و الجمادات و النباتات .
- آية 45 :" أكنة "  أي حائلا ساترا عن الأبصار فلا تراه , و هو مع ذلك حجاب بينهم و بين الهدة و مال إلى ترجيحه ابن جرير و قال قتادة وابن زيد هو الأكنة على قلوبهم .
- أية 51 " قال ابن عباس : هو الموت أي لو أنكم صرتم موتا بذاته لجعلكم أحياء إذا شاء و متى شاء .
- آية 55 " و لقد فضلنا بعض النبيين على بعض " لا ينافي حديث الرسول ( لا تفضلوا بين الأنبياء ) فإن المراد من ذلك هو التفضيل بمجرد التشهي و العصبية لا بنقتضى الدليل فإن دل الدليل على شيء وجب اتباعه و لا خلاف أن الرسل أفضل من بقية الأنبياء و أن أولي العزم منهم أفضلهم و هم الخمسة : نوح , إبراهيم , موسى , عيسى و محمد عليهم السلام .
- آية 64 " و استفزز من استطعت منهم " قال ابن عباس : كل داع إلى معصية الله عز و جل . و اختاره ابن جرير و قيل هو الغناء و اللهو " و شاركهم في الأموال و الأولاد " فكل ما عصى الله فيه أو به أو طبع الشيطان فيه أو به فهو مشاركة .
- آية 70 : صالحو ذرية آدم أفضل من سائر المخلوقات .
- آية 71 : الإمام هو كتاب الأعمال / الفتيل : الخيط المستطيل في شق النواة .
- آية 79 : قال ابن جرير : قال أكثر أهل التأويل : المقام الذي يقومه محمد يوم القيامة للشفاعة .
- آية 80 " مدخل صدق " يعني المدينة , " مخرد صدق " يعني مكة و هو قول الإمام أحمد عن ابن عباس, و قال الحسن في تفسيرها : وعده ربه لينزعن عن ملك فارس و عز فارس و ليجعلنه له و ملك الروم و عز الروم و ليجعلنه له .
- آية 86 : قال ابن مسعود : يطرق الناس ريح حمراء يعني في آخر الزمان , من قبل الشام فلا يبقى في مصحف رجل و لا في قلبه آية , ثم قرأ ابن مسعود " و لئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك " .
- آية 106 " قرآنا فرقناه " أما قراءة التخفيف أي فصلناه  من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا ,و بالتشديد أي نزلناه آية آية مفرقا منجما على الوقائع إلى رسول الله في ثلاث و عشرين سنة مبينا و مفسرا .

ق :
- قال ابن مسعود رضي الله عنه في بني إسرائيل والكهف (ومريم) : إنهن من العِتاق الأول , وهنّ من تِلادِي ؛ يريد من قديم كسبه - آية 1 : " سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى...إلخ " قوله تعالى : "إلى المسجد الأقصى " سمي الأقصى لبعد مابينه وبين  المسجد الحرام , وكان أبعد مسجد عن أهل مكة في الأرض يعظّم الزيارة , ثم قال " الذي باركنا حوله " قيل : بالثمار وبمجاري الأنهار . وقيل : بمن دُفن حوله من الأنبياء والصالحين ؛ وبهذا جعله مقدّساً .
- آية 8 : " عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا " "عسى" من الله واجبة . "وإن عدتم عدنا" قال قتادة :/ فعادوا فبعث الله عليهم محمداً صلى الله عليه وسلم ؛ فهم يُعطون الجزية بالصّغار ؛ و روي عن ابن عباس . وقد حلّ العقاب ببني إسرائيل مرتين على أيدي الكفار , ومرة على أيدي المسلمين. وهذا حين عادوا فعاد الله عليهم . وعلى هذا يصح قول قتادة . "وجعلنا جهنم للكافرين حصيراً" أي محبِساً وسِجناً , من الحَصر وهو الحبس .
- آية 11: " ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولاً " قوله تعالى " ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير " قال ابن عباس وغيره :هو دعاء الرجل على نفسه و ولده عند الضجر بما لا يحب أن يستجاب له : اللهم أهلكه , ونحوه .
- آية 13 : " وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه...إلخ " قوله تعالى وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه " قال الزجاج : ذِكر العنق عبارةٌ عن اللزوم كلزوم القِلادة للعنق. وقال ابن عباس : "طائره" عمله وما قدّر عليه من خير وشر , وهو ملازمه أين ماكان . وقال مقاتل والكلبي : خيره وشره معه لا يفارقه حتى يحاسب به . وقال مجاهد: عمله ورزقه , وعنه : ما من مولود يولد إلا وفي عنقه ورقه فيها مكتوب شَقِيّ أو سعيد . وقال الحسن " ألزمناه طائره " أي شقاوته وسعادته وما كتب له من خير وشر
وما طار له من التقدير , أي صار له عند القسمة في الأزل . وقيل : أراد به التكليف , أي قدرناه إلزام الشرع , وهو بحيث لو أراد أن يفعل ما أمِر به وينزجر عما زُجر به أمكنه ذلك .
- آية 29 : " ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك "  فيها مسائل
الأولى : قوله تعالى : "ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك" هذا مجاز عبّر به عن البخيل الذي لا يقدر من قلبه على إخراج شيء من ماله ؛ فضرب له مثل الغَلّ الذي يمنع  من التصرف باليد .
الثانية : قوله تعالى "ولاتبسطها كل البسط" ضرب بسْط اليد مثلاً لذهاب المال , فإن قبض الكف بحبس مافيها , وبسطها يذهب مافيها . وهذا كله خطاب للنبي صلى  الله عليه وسلم والمراد أمته .
الثالثة : نهت الآية عن استفراغ الوجد فيما يطرأ أولا من سؤال المؤمنين , لئلا يبقى من يأتي بعد ذلك لا شيء له , أو لئلا يضيع المنفق عياله .
الرابعة : قوله تعالى " فتقعد ملوما محسورا " قال ابن عرفة : يقول لا تسرف و لا تُتلف مالك فتبقى محسورا منقطعا عن النفقة و التصرف كما يكون البعير الحسير و هو الذي ذهبت قوته فلا انبعاث به .
- آية 36 " و لاتقف ماليس لك به علم " و لا تقف أي لا تتبع مالا تعلم و لا يعنيك .قال قتادة : لا تقل رأيت و أنت لم تر و سمعت و أنت لم تسمع , و علمت و أنت لم تعلم و قاله ابن عباس رضي الله عنه عنهما . قال مجاهد : لا تذم أحدا بما ليس لك به علم و قاله ابن عباس رضي الله عنهما و قال محمد بن الحنفية هي شهادة الزور .
- آية 60 : " و إذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس ..الخ "  "الشجرة الملعونة في القرآن " فيه تقديم و تأخير أي ما جعلنا الرؤيا التي أريناك و الشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة للناس .
- آية 72 : " و من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى " أي في الدنيا عن الاعتبار و إبصار الحق ." فهو في الآخرة " أي في أمر الآخرة .
- آية 76 : " و إن كادوا ليستفزوك من الأرض " هذه الآية قيل إنها مدنية قال ابن عباس : حسدت اليهود مقام النبي صلى الله عليه و سلم بالمدينة فقالوا : إن الأنبياء إنما بعثوا بالشام فإن كنت نبيا فالحق بها فإنك إن خرجت إليها صدقناك و آمنا بك فوقع ذلك في قلبه لما يحب من إسلامهم فرحل من المدينة على مرحلة فأنزل الله هذه الآية .
-- آية 107 : " قل آمنوا به أو لا تؤمنوا " يعني القرآن و هذا من الله عز و جل على وجه التبكيت لهم و التهديد لا على وجه التخيير .

تمت بحمد الله فوائد هذا العام و التي توقفت معكم فيها عند سورة الإسراء لنبتدأ سويا مع سورة الكهف في رمضان المقبل إن كان في العمر بقية .
سعدت بكم و بمتابعتكم و إلى لقاء جديد يجمعنا في موائد القرآن الرمضانية .


الفقيرة لعفو ربها ..فاطمة   

Comments (0)