http://islamhudaa.com/i/%D8%B9%D8%B1%D8%B6-%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D8%B1%D9%88%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D8%B2%D8%9B-%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%B7%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B1/

أرضَ هذا الحب من حالة وضْع اليد المُزمِنة التي قام بها مَن ارتكبوا الجرائم باسمه، والتي جعلتِ الكلمة الأساس في الوجود كلمة ذات سُمْعة عامة تتَّصِف بالسلبية وتَشي بالضعف، يترفَّع كثير من الفاضلين عن تَداولها فيما بينهم؛ مما أدى لتلك الحالة من اليُبس والجفاء في المجتمع الإنساني بين قِطاع ابتذل هذه الكلمة وجار في الاستخدام الخاطئ لهذا المعنى الكريم، وبين قِطاعٍ هجَر هذه الكلمة هجرةَ مَن يخشى على حِشمته باعتبارها إشارة ابتذال، أو هجرة مَن يخشى على حذَرِه باعتبارها علامة ضَعْف، حتى صار البعض يشعر بالتهديد وفِقدان المسافة الآمنة إن قيل له: إني أحبك؛ حتى إن بعض الأزواج يظن أنه لا بد من وجود طلَبٍ خلْف هذه الكلمة.

يَميل بعض المتدينين والمحافظين وأصحاب السَّمتِ الوقور للانصراف عن استخدام هذه الكلمة، وحذْفها من أحدث إصداراتِ معاجِمهم الحياتيَّة، تحت تأثير الشّيب أو الخبرات السلبية، أو لتأكيد الرَّصانة أو زُهدًا في هذا الشيء الذي ابتذله المُبتذِلون، حتى إن بعضهم قد ترتَجِف يده إن حمَل لزوجه وردة!

وخلال الصفحات الجميلة من كتاب (رُوح الإبريز)، يكتشف القارئ حجم احتياجه للحب، وحجمَ احتياجه للوَرْد، حاجته لأن يُحب ويُحَب،
 وحجم البؤس القديم الذي أحاط به بسبب ممارساته القَسريَّة على عواطفه، وتَساميه الساذَج الفارغ عن هذا الحب (الضرورة)، فالحب ليس فقط
 نَمَطَ حياة تَليق بالإنسان؛ بل إنه أيضًا أفضل وسائل النجاح، وأفضل وسائل الحماية ضد الذُّبول، وهو فوق كل هذا وقبله عبادة للحق – سبحانه
 وتعالى – والمؤمنون في الإسلام مأمورون بتبادُل هذا الشعور، بل وإعلانه؛ فقد روى أنس – رضي الله عنه – أن رجلاً كان عند النبي -صلى الله عليه
 وسلم- فمرَّ به رجلٌ فقاليا رسول الله: إني لأحب هذا، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أعلمتَه؟))، قال: لا، قال: ((أَعْلِمه))، 
قال: فلحِقه، فقال: إني أحبك في الله، فقال: أحبَّك الذي أحببتني له، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يجعل حالةً من الحب هي المؤشِّر على
 الإيمان، هي حبُّه، عندما يقول: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين))، ووفِّقت الكاتبة إلى لفتةٍ مُدهِشة عندما
 بيَّنت كيف أن الإيمان بسرِّ الحب العميق والأصيل لله، يمنح الإنسان درجة من القَبُول والمحبة للإضرار والأذى إن كانت في سبيل صيانة النفس 
من بغض الله وارتكاب نواهيه؛ كقول سيدنا يوسف – عليه السلام 
– كما ورد بالقرآن الكريم: ﴿ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾ [يوسف: 33]، فهذا كلام مَن يُضحِّي بأي شيء ولا يخسَر رِضوانَ ربِّه 
وحبه، إنه تصريح من مُحب!

ثم انتقلت الكاتبة لتبيان سيرة الحب في حياة الرسول الخِصبة، منذ كان طفلاً، قال عنه عمه أبو طالب:

وأبيضَ يُستسقى الغمامُ بوجهِهِ
ثَمالُ اليتامى عِصْمَةٌ للأراملِ

ثم الحب في فترة شبابه، عندما كان مُترفِّعًا عن أفعال الشباب، طاهر الإزار، والحب عنده زوجًا، والحب عنده أبًا،
 والحب عنده -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا ومُعلِّمًا، كما أفردتْ نبضةً لحبِّه للحيوان وغيره من المخلوقات غير الحية.

والكتاب في جملته ظريفُ المادة، مُحتشِم، مُثمِر، متوازِن، وقد خطَر لي بقراءتي للكتاب الذي تكلَّم عن الحب في ديننا العظيم اقتراحًا أطرَحه
 أمام الكاتبة، بأن تُضيف في الطبعة الثانية نبضةً إلى نبضاتها الاثنتي عشرة، تُفنِّد فيها مظنَّةَ أن الصوفية تحتكِر التعبير عن الحب في الإسلام،
 ليس فقط ردًّا على ما يظنُّه الصوفيون، بل الغريب أن هذا ظن بعض أعداء الصوفية ممن تلقّوا قشورًا من العلم ممن لا يُعوِّلون على العاطفة في حياة 
العبد، طالما أنه يؤدي ما عليه على صعيد الشعائر والأوامر والنواهي؛ والنبضة الثالثة عشرة بالإضافة إلى تبيانها لحب العبد لله وحب الله للعبد،
 بغير هَذيان وخلْط، لها فائدة أخرى إذا ما نظرنا لدَلالات هذا الرقم عند الجَهَلة، فقد طهَّرنا الإسلام من رُكام كراهيات لا معنى لها لأشياء حولنا،
 ومنها هذا الرقْم، ومحاربة الإسلام للتشاؤم هي تحرير للقلوب من حالة مرضيَّة عميقة من حالات البُغض.
أخيرًا أقول: يكفي الكاتبة نجاحًا أنها مضتْ في طريق عبَّدته الأقدام دون أن تُلزِم نفسها باقتفاء آثار مَن سبقوها، وكتبت فيما رُفِعت عنه آلاف 
الأقلام في الشرق والغرب قديمًا وحديثًا، ومع ذلك بدا في طرْحها طَرافة واختلاف واتساق يَليق بقلم يُعبِّر عن صاحبته.

Comments (0)