بداية الشكر لك يالله أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا .

 في استمرار القراءة لكتابي روح الإبريز استمرار لمعانيه التي أحببت بثها و قد تفضل علي كرما و لطفا الدكتور محمودعبدالناصرنصر رئيس وحدة الترجمة والتعريب بجامعة الرس بالقصيم مشكورا بقراءة نقدية للكتاب , اضعها هنا لمن أراد الاطلاع عليها , شكرا للدكتور بلا حد و شكرا لكل قارئ يلقى قبولا في المادة الموضوعة بين دفتي كتابي .

قراءة ناقدة في كتاب "روح الإبريز" للأديبة الأستاذة فاطمة حسن البار
بقلم دكتور محمود عبد الناصر نصر
*****************************
روح سرت, سرها في كن كنين. وهجت, أضاءت غياهب ليل أليل. همست, تداعت إليها قيثارة كادت أن تغار من حسن ما رنت إليه. ازينت, فهفت إليها حسناوات ظننها مرآة عكست طيفهن. ترنمت, أنصت المستيئس إليها, أذهبت وحشته. آنسته. أطلقت لحاظها, أنارت, طردت الظلمة, أسرع الصبح, هتف قلب العاشق, "زه زه يا قلب".
ذياك الحلم الوردي وقد تلاشت فروق بين واقع وخيال. تراءى حيث صار المكان كل مكان, وحيث صار الزمان رهن إشارة. تمدد الحالم, تقاطرت فِكر وخطرات, دف قلب عاشق, لبيك قرة عيني, هيت لك مالك الأمر, لا شريك لك.
إنما هو قلب طرح غلالة حجبته لدهور. فرك عيني ناظره, استحم بقطرات نور, طهر, استنشق عبق عفة. قال ها أنا فاسمعون. إني كفيلكم اليوم بما صبرتم. إننا في غرام جميل. ولا ينبئك مثل خبير.
قل هل أنبئكم بشيء مما دهاني؟ إنما أذوق حلاوته قطرة تلو قطرة. أعيش لحظاته, أثمل منها. لحظات نفاثات للقلق, سابحات إذ الغسق, شاديات, مبهجات, بالقلب لائطات. 
سبحت خطرات قلب لا تجد شاطئاً يصدها. فاضت العين دمعاً سحيحاً إذ خطرت بالقلب خطرة. يرنو بها قلب إلى الغد, والمستحيل قد صار ممكناً. يدق القلب واجفاً. يملي من الكلم حروفاً دامعة. آهات يزفرها القلب قبيل أن تطلقها شفاه. أحلام وذكريات بللها الدمع. بسمة تميس على الشفاه. تأسر قلباً, والقلب بالقلب أدرى.
إنما هي نفثات كتبتها أديبة قديرة مقتدرة. مدادها من روحها, كما في رقيم قلبها نقشت حروفها. أخالها وقد أخرجت ما في قمقمها. فتشت في أضابير قلبها. غمست ريشتها في أثير لن أسأل نفسي عن كينونته. جرت ريشتها. كتبت حرفها. اكتملت صورتها. فهنيئاً لها.
روح الإبريز.. اسم على مسمى. حروف تأتت من جولات روح. تخاطب أرواحاً, قلوباً, وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. إنما هو البشير, هو السفير لكل قلب إذا ما ابتغى القلب الهداية, هو الرائد, والرائد لا يكذب أهله. 
وجبة روحانية دسمة تلك التي قدمتها الأديبة طيبة شهية, فطوبى لمن كان له قلب, أو ألقى السمع وهو شهيد. أهدتها الأديبة, أطال الله في عمرها وبارك في فكرها, إلى كل من نبض قلبه بالحب, إلى كل من قسا قلبه بفقد الحب, إلى الحبيب والمحبوب, إلى معنى الحياة, إلى كل الحب.
نبض القلب الأديب نبضات مباركات. تقاطرت الروح الطاهرة قطرات وقطرات. ترجم اليراع الأريب, فأبان وأفصح. تأتت النبضة الأولى تدب بقدم راسخ في معجميات المصطلح, ملقية ظلاً ما أطيبه على المعنى اللغوي والاصطلاحي للفظ الطاهر الأغر. أخذتنا الأديبة في جولة ما أجملها بين أفنان الحب, مسمياته, (ما بين محبة وهوى وصبوة وشغف ووجد وعشق ونجوى وشوق ووصب واستكانة وود وخُلة وغرام وهيام ثم تعبد) ومراحله, وما تفلسف به الفلاسفة حياله, وقد قالوا الكثير. 
ينبض القلب الكبير نبضته الثانية لتثبت لنا جوهرية الحب في حياتنا. حقاً إنه حاجة يهفو إليها الصغير قبل الكبير, وبه تنمو العلاقات, وتزدهر الجوانب الحسية والعاطفية بين البشر. فمن عرف الله بالحب فقد بلغ غايته ونال كرامته وارتقى في عبوديته. صدقت أديبتنا, وأنا معك من الشاهدين.
دق القلب فأصغيت, فإذا به يهمس بدلائل الحب في الإسلام والقرآن والسنة النبوية العطرة, وهكذا تأتت النبضة الثالثة. فسبحانه جل في علاه هو أعلم بذاك الكيان الطاهر, يعلم أنه من طبيعة الإنسان الغالبة عليه والمؤدية إلى أمور جل عجيبة. بلغنا الله حبه, وحب نبيه, وحب كل عمل يقربنا إلى حبه.
أتت النبضة الرابعة لتسهب فيما أوجزته النبضة التي سلفت. حيث صالت الأديبة وجالت في حياة أكرم الخلق صلوات ربي وأفضل تسليماته عليه. تتبعت الحب في حياته إذ هو طفل, فشاب, فزوج, فأب, فنبي, فمعلم. امتلأ قلبه بالإحساس, بالعطف, بالحب, فرسم أجمل صورة متدفقة من حناياه رفقاً بالقوارير وبراً وإحساناً. صلاة وسلاماً عليك يا معلم المعلمين.
خفق القلب خفقته الخامسة فاستدعت ذكريات وذكريات. ما أجمل ما تغنى به الشعراء, وما أكثرهم, في جمال الحب وجلاله. طوفت بنا الأديبة في نزهة ثملت منها في ربوع الحب وذكرى الحبيب. فمن أبي الفوارس, إلى مجنون ليلاه, ثم ابن أبي ربيعة هداه الله, إلى جرير, وجميل بثينته, ثم ابن الفارض وابن زيدون يناغي ولادته. وفي لمح البصر, وقد تله العقل كما الفؤاد, أعادتنا الأديبة إلى عصرنا, فأسمعتنا جميل ما أنشده جدها صاحب الحب والكلمة الرقراقة الأديب شاعر الوادي الأستاذ حسين محمد البار, ومنه إلى البارودي والسياب وقباني, والشاعر والسياسي المغفور له بإذن ربه الدكتور غازي القصيبي. لم ترد الأديبة أن تتركنا ننهي نزهتنا دون أن تنفحنا بعضاً مما جادت به قريحة عظماء العصور, فها هو العقاد ينادي, والشناوي يغرد, ودي بفوار تفلسف الحب لتزيل إبهامه. وها هو المعلم الأكبر أفلاطون يدلي بدلوه, فمن يحب يحب إلى الأبد. صدقت أفلاطون. أما جبران فيجعنا نتأرجح الهوينى بين دمعة وابتسامة, وهل من عاشق إلا وقاسى مرارة الدمعة, ثم أثلجت صدره عذوبة ابتسامة؟ لم يغب عن الساحة عملاق الإنجليزية الأكبر, حيث يقول "تكلم هامساً عندما تتكلم عن الحب", وصدق شكسبير.
ويخفق القلب خفقته السادسة فتأتي وصية الأديبة الأريبة بآليات لعمل الحب. عجباً لذاك المخلوق عجباً! كاد أن يوضع له كتالوجاً كي يكون طيعاً, كي يكون صدوقاً. فلو كان للقلب لسان (على حد تعبير الأديبة) لشرح عمق الجب وروعة الحب وسكون الجوارح وارتعاشها بذكر المحبوب أو تخيل وصفه. فالحب أغنية الفداء.. هو الغذاء.. هو العطاء.. هو الدواء.. هو اللقاء.. ولا تزال أحرف الأديبة تترنم في مسامعي. أطرب لها.
وتأتي الوصفة السحرية في النبضة السابعة. سعد من عمل بها. بورك من نجح في الحفاظ على حبه, على صونه, على الذود عنه. وخاب وخسر من أهانه وأضاعه وداس على أنفاسه. فالحب على حد قول الأديبة يولد ولا يُخترع. هو بذرة تلقى في القلب وتنمو. تحتاج إلى الرعاية والتهذيب, ويقتلها الحر والزمهرير.  هو طفل وليد يبدأ جميلاً باهراً, لكن ضعفه قد لا يعينه على البقاء, فيحتاج لرضاعة من الأمل والصدق والتجاوز حتى ينمو ويشتد ويصير الأجمل.
تعزف الأديبة في نبضة قلبها الثامنة على وتر حساس, لطالما احمرت منه الخدود, ودمعت له العيون, وتسارعت أنفاس, وارتعدت فرائص, "لماذا نستحي من الحب"؟ أجادت الأديبة حيث قالت, "إننا كلما استحيينا من إظهاره كنا كمن يعقره أو يئده. وكلما اشتد هذا الحال بنا ابتعد الحب عنا". فمن ذا الذي تحجر قلبه حتى يعقر الملاك الطاهر؟ ومن ذا الذي خلع أهاب إنسانيته حتى يئد المولود البريء؟ تجيب الأديبة بجرأة واقتدار, مرجعة السبب لطبقات تراكمت من تقاليد رثة شوهت الجميل وقبحت الحسن, وجعلت من الطاهر و الحلال محرماً دنساً.
تفوز النبضة التاسعة بشرف التمسح بمصطفانا, نبي الرحمة, الذي شمل حبه الحيوان وغيره من المخلوقات غير الحية. إنه قلب لا يعرف إلا الحب, ولا يبادل إلا الحب. كل شيء يبادله الحب, ويسعد بلمسه, فينال شرفاً منه يحسده الحاسدون عليه. وصدقت يا سيدي حين قلت, "في كل ذات كبد رطبة أجر".
تنحو النبضة العاشرة منحاً فلسفياً دينياً في آن. حيث تتطرق الأديبة لفلسفة الحب في القرآن. وحيث أن للحب بداية هي أن يحب الشخص نفسه, فكلما أحب المرء نفسه بلا أنانية, عندها يمكن أن نقول إنه سيحب غيره. وكل شخص قادر على أن يحِب ويحَب, ولكن بالقليل من الصبر والمنحة لنفسه وشيء من المساحة يعطيها لمشاعره وقلبه.  وصدق العلي الأعلى حيث قال, "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان."
تأتي النبضة الحادية عشرة بسؤال استغلقت عليَّ إجابته, "كيف تكون الحياة بلا حب؟" كفتني الأديبة جزاها الله كل خير ببعض من الإجابة حين قالت, "ستكون طعاماً بلا ملح, وقلباً بلا نبض, وجسداً بلا مشاعر, وبحراً بلا موج". سلم يا رب سلم.
وتختم الأديبة حبات سبحتها المباركة (والتي كنت لا أبتغي لها نهاية) بالنبضة الثانية عشرة, حيث ترفه عنا برهة وتأخذنا في نزهة في رحاب ذاك المخلوق المبارك, الحب. فبين همسات دكتور الحليبي والرافعي وترانيم جويدة وخالد البار نتأرجح جيئة وذهاباً, لا نمل ولا نكل. سبحان من كان سره بين الحاء والباء. 
ثملت من نزهتي. استرحت قليلاً, وما أن التقطت أنفاسي واسترددت جناني, حتى عدت ليراعي, وكتبت. إنما هو عمل علمي رصين, أظهرت فيه الأديبة براعة علمية حرفية منهجية قبل أن تتحفنا بمهاراتها الفنية والجمالية. نور على نور تأتى العمل, وجمال فوق جمال تسربل به, وحسن جب حسن, كان وليدها, بارك الله لها فيه, وأجازها على ما تعبت فيه كيف يشاء, فأجره ليس له حدود. 
أرى الأديبة وقد تمكنت من أدوات بحث علمي, فخطتها واضحة منذ البذور الأولى. وخطها الفكري مستقيم لا حيد عنه. وهدفها متبلور في ذهنا, أنى يممت لم تغفله. 
استعانت الأديبة بعدد أغبطها عليه من المصادر والمراجع وكتب التراث جلها من أمهات الكتب, بالإضافة إلى عدد لا بأس به من المواقع الإلكترونية. اتبعت الأديبة منهجية سليمة من حيث توثيق أية معلومة تستقيها من مصدرها بأمانة علمية نفتقدها لدى الكثيرين من الباحثين. 
قامت الأديبة ضمن إجراءات إعداد مادتها بدراسة ميدانية أثني عليها وأبارك مجهودها الذي بذلته فيها. حيث قامت باستطلاع آراء عينة لا بأس بها في موضوع كتابها. قامت الأديبة بتحليل ما تجمع لديها من إجابات, وألحقتها بمتن الكتاب موثقة بأسماء أصحابها. 
أضافت الأديبة فهرسين, احدهما للآيات القرآنية التي تم الرجوع إليها, والآخر للأحاديث النبوية التي تمت الاستفادة منها. كما أضافت مسرداً بأسماء الشعراء الذين وردت أسمائهم في متن الكتاب, وقد قدم المسرد ترجمة كافية لكل منهم. 
أما بالنسبة للغة الكتاب, فحدث ولا حرج. وليس ذا بغريب على الأديبة. فقد عهدتها تحفر في الصخر بحثاً عن لفظها وحرفها. لغة رصينة شاعرية محكمة السبك, ندر أن يعثر القارئ بين ثناياها على ما يشتت الانتباه أو يقطع القراءة. أتت لغة الكتاب تواكب الحدث الذي تسوقه. إنما هو موكب الملك في أبهته وعظمته. إنما هو محفل القلب إذا خفق. إنما هو يوم العين وقد رنت. هو الحب, وأنى لكلمة أن توفي الحب حقه. أظن أديبتنا قد وفت وأوفت.
ليست هاتيك الخبرة الأولى لأديبتنا في صناعة الجمال. فلها من الأعمال ما يشهد بحنكتها. بالأمس القريب صدر لها "امرأة مع إيقاف التنفيذ" عن دار الحضارة للنشر والتوزيع. وها هو الإصدار الثاني في نفس العام بعد "بلون الرماد" الصادر عن دار الكفاح للنشر والتوزيع. وقد قامت ذات الدار بطباعة العمل الحالي. وللأديبة مساهماتها المشهود لها في كافة الأوساط الأدبية. فمقالاتها, وقصصها, وتعليقاتها تملأ الصفحات المطبوعة منها والإلكترونية على حد سواء. إنما هي روح شاعرية شابة, تطمح في تحقيق الكثير, وبعون الله لن يخيب لها أمل. فالعزيمة ماضية والإصرار حديد, وفوق هذا وذاك هناك بنات أفكار تأبى عليها إلا أن تقول وتقول, وأراها سوف تقول ونسمع منها الكثير.
اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربنا إلى حبك
دكتور محمود عبد الناصر نصر                
3/5/2013              
  

Comments (2)

On 8 مايو 2013 في 2:36 م , غير معرف يقول...

الى اﻻمام اديبتنا وفخرنا...تمنياتي الحاره لك بالتوفيق

خوخه

 
On 9 مايو 2013 في 12:02 م , الأديبة / فاطمة البار يقول...

مرحبا بقرة العين
خوخة قربك هو الدعم
سلمتِ