انطلقت بسرعة إلى سيارة أجرة لأصل بعد عشرين دقيقة أسابق الزمن أن أجد أبي حبيبي بخير دخلت لأجده مغطى بأسلاك تحيط به

الأجهزة من كل صوب ..خرطوم التنفس الاصطناعي يخترق بلعومه ومنظره غاية في الضعف , نبضات قلبه بالكاد تخرج ,بدا لي

كأنه شخص آخر

اختفت ملامح القوة والغلظة التي كنا نراها على وجهه وبات بلا حيلة .

صار ضعيفا ...ضعيفا جدا .

فجأة فتح عينيه ..بضعفها وبقلة البريق الذي اعتدناه فيها نظرنا

ركز نظره علي ..نعم علي أنا ابنته الكبرى وبصوت متهدج متألم متقطع منهك

- أمل ..اقتربي .

- أرى أني لن أعود إليكم فاسمعي ما أقول .

إخوتك أمانة في عنقك حتى يلتحقوا بجامعاتهم فأنت أعقلهم اليوم .

- أبي ...ستكون بخير وتعود لنا بإذن الله ,لا تخف سترعاهم جميعا .

- اسمعيني .. ويقطع صوته الألم ..إن تقدم لك ياسر ثانية فأنا .....

ثم غاب عن الوعي قليلا وارتفعت أصوات الأجهزة من فوقه فأسرع الطبيب وطلب منا الخروج لسوء حاله .

بعد ساعة دخلنا وقد تنبه ثانية ...

ابتسم ابتسامة صفراء متعبة

نظرني قائلا " أنا موافق " ثم أغمض عينيه وانطفأ سراجه .

شخصت عيناه برحمة بثها في عروقي وحلم قبله أخيرا .

بدا لي كأنه مبتسم يهنئني بزفافي وهو يودعني .

علا الصوت فوقه وصاحت الأجهزة معلنة وفاته ,و صرخ صوت في داخلي

" أبي ...أحبك رغم قسوتك " .

كان أبي رحمه الله بارعا في إخفاء سره وكرهه لوالد ياسر وكان رفضه لياسر مجرد انتقام .

حملني فوق ما بي ورحل ,لكنه أعطاني أملا أخيرا بقبول من أحب .

تعرفنا بعد ذلك أثناء قراءتنا للوصية سر الموقف الجلل الذي أبعد ياسر وأغلظ أبي معي ....


لقد اتهمني والد ياسر رغم صغري وعند اختلاء ابنه بي بأني غير مهذبة وأني من أوقع ابنه ونسي أن

الفاعل ياسر, تحمل والدي من حينها كرها لياسر وأهله وتمنى لي أن أسعد في حياتي مع غيره , كان

مدركا أن لعب الأطفال لم يكن لعبا فقد أتلفني ولم أعد صالحة إلا له لكن قسوة المجتمع لا ترحم هذه الأخطاء .

في ذات يوم من أيام طفولتنا التي كنا نمتزج بها قال لي ياسر : ما رأيك أن نلعب لعبة الزواج

لم أفهم حينها ما هي اللعبة فأجبته ..

مشيت وقد التفت ذراعينا كعروسين نسير في شارع حيينا الضيق بخيلاء وأحلام العرسان كان قد جمع بعضا من الأزهار وأعطاني

إياها .

- أمسكيها فقد شاهدت زوجة عمي تمسكها وتبتسم وهي متشبثة بذراعه.

مشينا حتى وصلنا لأرض مسورة خالية من البناء ..دخلنا ..كان ياسر متقنا لدور الزوج ولم أكن أعي

غير أني بت عروسة جميلة .

كنا أطفالا بقبلته الجريئة ولمسته بيدين ملوثتان من طول اللعب ..

سألته ببرائتي ..كيف تعلمت أن تصير عريسا .

فكانت برائته تجيبني رأيت والديّ من تحت غطائي وكنت أمثل دور النائم .

- أنت خطير يا ياسر .

- نعم ..خطير وقوي وأنت مثل سندريلا .

- صحيح ..أنا سندريلا ..و أنت.

- أنا زوج سندريلا ..أليست لعبة جميلة .

لكن شيئا آخر أدركت ألمه قد أوجع والدي فضربني في يومي ذلك و تشاجر مع والد ياسر.

بكت أمي حينها و هالت بالشتائم على أسرة ياسر التي لم تربي ولدها عندها هاج والده واتهمني بقلة الأدب و نفى هذا التحرش

الطفولي من ولده.

قرر والدي أن نبتعد لكن قلبينا ما زالا متلاصقين .

فلم يكن ياسر غير صديق طفولة نما وده في قلبي ليصير حبا مع إدراكي لمعاني الحب ..

كان يدافع عني في الشارع ولا يسمح لأحد أن يقترب مني أو يؤذيني وكانت طلباتي أوامر فكل الحلوى والمشروبات يأتي بها إلي

ليرضي دلالي البرئ.

كنت أشعر بشئ مختلف تجاهه وعيت لمعناه عندما كبرت , عرفت أنه روح امتزجت بروحي وأنه

يختلف عن كل من صادفت في حياتي , كنت بين سندان حبه ومطرقة غضب والدي عندما كبرت

ووعيت حجم الخطيئة أدركت أنه يجب أن أنسى لكن القدر الذي جمعنا أثار الحب من جديد وألهب الشوق القديم .

اليوم على نهاية حياته أدرك أبي في لحظاته الأخيرة أنني لن أكون بدون القلب الذي امتزج بي وأحبني

منذ صغري وجاهد في الحصول على رضاي .

بعثت لياسر برسالة أخبرته بالحدث .

حدد يوما للتقدم لخطبتي من ياسر الذي يصغرني بعامين ..

عندما تكون بذرة الحب نقية فإنها ستنمو رغم قسوة الظروف


..........تمت بحمد الله.......

ألعاب الأطفال في الصغر قد تحمل الأسى

فلنوجههم ولنكن معهم حتى في اللعب

















Comments (4)

On 9 يوليو 2011 في 4:16 م , غير معرف يقول...

صحيح عندما تكون بذرة الحب نقية فإنها ستنمو رغم قسوة الظروف..


ام حامد.

 
On 10 يوليو 2011 في 2:45 م , الأديبة / فاطمة البار يقول...

يامرحبا بك ام حامد
اسعدتيني جدا بجميل متابعاتك
تقبلي شكري

 
On 14 يوليو 2011 في 4:24 م , غير معرف يقول...

صدقتى
فى عصرنا هذا كل شئ متاح
من كبسه ذر فقط
فالرقابه لابد ان تكون مشدده
والتوجيه الدائم فهم مسئوليه
قصه جميله
دمتى بخير
فيروز

 
On 14 يوليو 2011 في 5:04 م , الأديبة / فاطمة البار يقول...

أهلا بالجميلة فيروز
سعيدة أنا بوجودك اختي الفاضلة
كوني بخير