في كل يوم سبعين مرة..أو ربما أكثر..

منظر نراه تقشعر منه الابدان وتقف القلوب لاهثة خائفة هاربه ..
تتمنى بُعده وتخاف حتى ان تتخيل نفسها فيه ..
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من ذكر هادم اللذات في اليوم اكثر من سبعين مرة..
نعم .. لذكر الموت رقة ..ولمعاينة الاموات شئ خفي يختلج الوجدان لا يمكن وصفه بالكلمات ..
قبل دقائق كان شخصا تحبه ..تتدفق فيه الحياه وتنبض عروقه بالحس..
كنت تلمسه وتشاهده وربما تتحدث اليه ...دقائق ..انسلت روحه من جسده ..
فلم تعد قادرا على لمسه او تقبيله ...هو ذاته الحبيب الصديق القريب..
ياترى مالذي أبعده ..مالذي غيره وأوحشه ..
منّ الله علي بصمود وثبات يوم ان توفت جدتي من زمن مضى رحمها الله رحمه واسعه ففعلت مالم اتوقع من نفسي...ربما تحت تأثير الصدمة ..
عدت ثانية مع جدتي الاخرى رحمها الله وغسلتها لكن الصمود كان اقل هذه المرة .
انسكبت العبرات ولم تعد النفس تقوى على مباشرة الغسل..وصف لا يدركه الا من عاين ميتا ..او غسله ..
اصبحت انفي تتحسس من رائحة الكافور واصبح منظر السدر شئ لا يطاق ..
وقعت في صدمة اخرى بل درس اخر من دروس الحياه ..
دخلت مرة بيت احد الاقارب للعزاء ..لاتفاجأ بالميت -وكان محرما لي- ممدا في وسط الغرفة في سكينة والجميع حوله ...
اهتز قلبي ..يالله كم لي من قوة قد تبددت ...لم اعد احتمل اكثر من ذلك ..نصف ساعه جاملت في المكوث فيها و لقنت قلبي درسا جديدا ..
كنت اراه ممدا أتأمل في ضعفه بل في ضعفي ..
في صمته ..لا بل صمتي ..
من يعطي الدرس انا ونفسي العاصية ام هو بجموده ...!!
في حياته الماضية ...بل في حياتي المستقبلة ..
هدوء مريع ..وصمت يهز الكون ..
تبادر السؤال في ذهني فورا ...ماذا لو كنت انت ؟؟
تدور الايام وتضرب فينا طولا وعرضا لا قف يوما خلف امام الحرم المكي واصلي صلاة الجنازة ..
بعد ان قرع المؤذن قلبي بصوته "الصلاة على الاموات اثابكم الله "
صليت كما يصلي بقية الناس وكما اعتدنا دائما في الحرم ..لكن اليوم كان مختلفا ..مختلفا جدا .
بعد الصلاة تقدمتُ من مكاني للنزول الى صحن الحرم وانا في طريقي والزحمة تملا المسجد ..
تنحيت في احدى الزوايا ويالحظي ويومي ذاك ..فقد كان مرور الجنائز من هنا ..حيث اقف ..
وقفت وبدأت الافواج تسارع الخطا في التشييع وهذا فضل الله على اخواننا الرجال اجر عظيم ..
جنازة امرأه مميزة بارتفاع نعشها ولونه الاخضر..
طفل صغير ..
رجل ..
سبع جنائز مرت من قربي لكن الاخيرة كانت تختلف..الجميع منذهل مثلي ..
كانت تقف جواري عجوز مصرية قرع تهليلها قلبي ...ماذا ارى يابنتي..ماهذا ..؟
الجنازة الاخيرة اصابتني في مقتل ..
كانت جنازة رجل هندي على ما اظن...اسمر البشرة كث الشعر ..
ألن تسألو كيف عرفته ووصفت ملامحه ؟؟!
لقد كان مكشوف الوجه والشعر والاقدام ..منظره مؤثر جدا ..كفنه منحسر من الكتفين ليظهر الوجه والشعر وشئ من كتفيه ..وقصير من الاسفل ليظهر القدمين ومافوق الكعبين بقليل..
تناديني العجوز ..يابنتي .ماله كدا مش مغطينه ليه "
ماذا اقول وما اجيب ..انا في دهشة ليس من كشف شعره او قدمه لكن من شده اثر الموقف ..
الجميع متأثر من هذا اللي يعلو الرؤوس..ننظر وجهه ونتخيل جموده لا شعوره حيث يشعر بنا جميعا لكن لا قدرة على الحراك بعد اليوم او الرد او النظر ..مرفوع فوق الرؤوس لم يكن ليرفع يوما ويمشى به بسرعه كأنه حمل يجب ان ينزل ..
رب ارحمني واسترني وقو ايماني ..وثبتنيو اخواني واخواتي قبل الموت وبعد الموت ويوم الفوت ...
ومن اراد ان يرق قلبه فليغسل ميتا او ينظر الى الاكفان ..
لم ارد ان اقطع القلوب او استثير الاحاسيس لكنه الحق القادم والمصير المحتوم وساعه تذكر خير من ساعة غفلة ونسيان ..
وجمع الله أحبتكم بكم في الخير والطاعه وجمعة موفقة للجميع..

Comments (6)

On 11 يونيو 2010 في 2:03 م , وفاء يقول...

موضوع مؤثر . عندما توفي والدي حاول اخي المشاركه في الغسل لكن احد الاقارب منعه وقال له انك ستتأثر بهذاالفعل كثيرا فيما بعد .
لم ارى ميتا في حياتي الا هنا في عدن وكان جميعهم من الجيران ولا ادري لماذا لم يكن تأثري بالشكل المطلوب ربما لاني علاقتي بهم كانت سطحيه جدا(انا غير مقتنعه بهذا السبب), وكان هناك لطم ونياحه غريبه شدت انتباهي عن الموقف المؤثر.

 
On 11 يونيو 2010 في 3:24 م , الأديبة / فاطمة البار يقول...

هلا وفاء صحيح لان علاقتك بهم سطحية لم تركزي او تتاثري ..
الله يسمعنا كل خير عن احبابنا واهالينا..
والصبر عند الصدمة الاولى ..
شكرا لمرورك

 
On 11 يونيو 2010 في 11:42 م , أمل يقول...

الله يرحم موتانا وموتى المسلمين
موضوع اثر فيني بشكل كبير
شكرا فطومه

 
On 11 يونيو 2010 في 11:52 م , الأديبة / فاطمة البار يقول...

مرحب امولة ..
التأثير بحول الله يقود للافضل ..فالموت مرحلة ..والتذكير به واجب..
اهلا بك

 
On 16 يونيو 2010 في 4:44 م , ام انس يقول...

لااله الاالله اللهم استرنا فوق الارض وتحت الارض ويوم العرض حضرت تغسيل احدى الاقارب وكنت اساعدهم وانا ابكي فظنوا اني خائفه من الجثه ولكني كنت اتخيل نفسي وانا مكانها وكنت مستاءة من طريقتهم في التغسيل فلم تستر منها سوى العورةفقط من السرة الى الركبه
اسأل الله ان يرحم موتانا وموتى المسلمين .

 
On 16 يونيو 2010 في 5:11 م , الأديبة / فاطمة البار يقول...

اهلا بك ام انس ..منورة ..
بالفعل هو ماقلت ليس الخوف من الجثة ولكن التخيل ان تكون مكانها ..
تعرفي اختي للموت رهبة ربما شعرت بها ..
بالنسبة للغسل فليس الجميع يتقنه للاسف المفروض ان تستر المرأه بغطاء يستر كل جسدها ولا تكشف ابدا ..اما الرجل فيستر ما بين سرته وركبته ..
دام حفظ الله للجميع ..